السؤال
حلفت، وأشهدت الله أني إذا ذهبت إلى الطبيب وأخبرني أن إصبعي لن يقطع، سوف أتصدق بمبلغ مالي في نفس اليوم، في سبيل الله. لكن الطبيب أخبرني أنه لن يقطع الآن، انتظر فترة، لنرى. وبعدها بفضل الله تحسن حالي، لكني إلى الآن لست واثقا من أنه لن يقطع، فهو لم يشف بعد. لذلك لم أتصدق إلى الآن، وقد مضت أيام على ذلك اليوم الذي اشترطت فيه الصدقة. هل علي كفارة، أم يجب علي التصدق بالمبلغ، علما بأني بحاجة إليه الآن لأغراض العلاج، وإذا أخرجته قد أصاب بضائقة مالية؟
أنا مسافر، وعاطل عن العمل بسبب إصابتي. إذا كان يلزم الوفاء بالمبلغ. هل يجوز التأجيل بعد الشفاء، والعودة للعمل؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فنقول ابتداء: إنك علقت ما حلفت عليه بإخبار الطبيب أن أصبعك لن يقطع، فإن كنت تعني بهذا الشفاء، وإخباره بعدم قطع الأصبع ولو مستقبلا حسب علمه وتقديره. إن كان هذا هو الواقع، فإنه لا يلزمك شيء إن كان الطبيب لم يجزم بعدم قطعها في المستقبل -سواء نويت النذر، أو نويت يمينا مجردة- وذلك أن الإخبار بعدم قطع الإصبع الذي علقت عليه يمينك، أو نذرك لم يتم مع وجود الشك فيه، وقول الطبيب لك إنه الآن لن يقطع، ولننتظر لنرى، هذا يدل على الشك في الشفاء، وعدم القطع.
جاء في حاشية البجيرمي على الحبيب في باب النذر، في بيان ما يحصل به الشفاء فيمن علق نذره على الشفاء.
قال: ( فشفي) ويحصل الشفاء بأن يذهب أصل المرض، ويوجد في المريض بعض قوة ... ويظهر أن المراد بالشفاء زوال العلة من أصلها، وأنه لا بد فيه من قول عدلي طب، أخذا مما مر في المرض المخوف، أو معرفة المريض ولو بالتجربة، وأنه لا يضر بقاء أثره من ضعف الحركة ونحوه. اهـ. وفي ق ل ما نصه: ويعلم الشفاء بقول عدل ... اهــ.
وإن علقت حلفك على مجرد إخبار الطبيب في تلك الزيارة بأنه لن يقطع الإصبع، بغض النظر عن المستقبل والشفاء التام؛ فإنه كان ينبغي لك أن تتصدق بالمبلغ حسب ما حلفت، ما دام أنه أخبرك بأنه لن يقطع الآن كما قلت.
وقولك "سوف أتصدق بمبلغ مالي ....، إن أخبرك الطبيب بعدم القطع، يعتبر من النذر، كما نص عليه الفقهاء.
جاء في حاشية الدسوقي في بيان أن النذر لا ينحصر بصيغة "لله علي كذا"
قال: عدم انحصار الصيغة في لله علي، أو علي كذا، فيلزم بكل لفظ فيه إلزام مثل إن شفى الله مريضي، أو قدم غائبي، أو نجوت من أمر كذا وكذا فأنا أصوم يومين، أو أصلي كذا، أو أتصدق بكذا. قاله طفى. قال: ونبهت على ذلك؛ لأن بعض القاصرين توهم أن النذر لا يكون إلا بقوله: لله علي، أو علي كذا .. اهــ.
وقال الرحيباني الحنبلي في مطالب أولي النهى في باب النذر: (كقوله: إن شفى الله مريضي، أو سلم مالي) لأتصدقن بكذا، أو حلف بقصد التقرب ك: والله لئن سلم مالي لأتصدقن بكذا (فوجد شرطه، لزمه) الوفاء بنذره نصا ... اهـ.
وإذا لم تتصدق مع مقدرتك، فإن الصدقة المنذورة لا تسقط بالتأخير، وتلزمك كفارة يمين لأجل التأخير، وإن لم تتصدق بسبب عجزك، لم تلزمك كفارة تأخير، ولكن الأحوط أن تتصدق بالمبلغ متى ما تيسر لك ذلك.
جاء في الموسوعة الفقهية فيمن نذر طاعة في وقت معين: من نذر نذرا في وقت محدد، فجاء ذلك الوقت وهو لا يطيق أداء ما نذر، فإنه لا يلزمه أداؤه في هذا الوقت، ولا بعد ذلك، ولا يجب عليه شيء، وهو مذهب المالكية ... . ذهب إليه الشافعية، ويرون أن من نذر صلاة أو صوما، أو اعتكافا في وقت معين فعجز عن أداء هذه القرب فيه، لزمه القضاء، ولا تجب عليه كفارة للتأخير عن هذا الوقت المعين، وإن نذر صدقة فأعسر بها، سقط عنه النذر ما دام معسرا، فإذا أيسر بعد ذلك وجب أداؤها ... اهــ مختصرا .
والله أعلم.