السؤال
اشتركت في استثمار بمبلغ عشرين ألف جنيه مع أحد الأشخاص، فاتضح أنه نصاب، وهو هارب الآن ولا نعلم مكانه، وقد حاولت أنا وبعض الضحايا العثور عليه، فلم نفلح... ولكي أخرج من التوتر بسبب هذا الموضوع قلت إن هذا المبلغ نذر كصدقة لوجه الله تعالى، وإن حصلت عليه فسأنفقه كله كصدقة، وإن لم أحصل عليه فهذا مال الله، والأمر له سبحانه، ولكنني أحيانا أشعر بالضيق وأقول لماذا نذرته، لأنه في حكم المفقود والله طيب لا يقبل مثل هذا، وأعتبر ما فعلته ذنبا، وأرى أنه يجب أن أكفر عن هذا الذنب بإخراج مثل هذا المبلغ صدقة رغم أن حالتي المادية مستورة وأبنائي ما زالوا في مراحل التعليم... فما الحكم رغم أنني من يوم نذرت هذا المبلغ وأنا أجتهد أضعافا مضاعفة في البحث عن هذا النصاب ورفعت عليه قضية ومعي حكم وأقول هذا حق الله ويجب أن أجتهد في تحصيله؟.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس عليك من إثم في نذرك هذا، فإن النذر يصح بالمال الذي لا يقدر على تسليمه كالمغصوب ونحوه، جاء في الفتاوى الفقهية الكبرى للفقيه الشافعي ابن حجر الهيتمي، وقد سئل: هل يصح النذر مع التأقيت، وبما لا يقدر على تسليمه وبالنجس؟ فأجاب بقوله: إن وقع التأقيت في النذر للمنفعة، فظاهر أنه يصح، كالوصية بها... ويصح بمغصوب، ونجس يقتنى، كالوصية. اهـ.
وصحة هذا النذر مبني على أن المال المغصوب لا يزال شرعا على ملك صاحبه، ولذلك لو حلف أنه لا مال له: حنث، قال الشيرازي في المهذب: إن حلف أنه لا مال له.. وله مال مغصوب: حنث، لأنه على ملكه وتصرفه. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: إن كان له مال مغصوب، حنث، لأنه باق على ملكه. اهـ.
والواجب عليك هو الوفاء بنذرك إن رد الله عليك هذا المال، ولا يجب عليك إخراج مثله صدقة.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. رواه مسلم. فمعناه أن الله لا يقبل صدقة من مال حرام، ومالك هذا ليس بحرام، قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: الصدقة بالمال الحرام غير مقبولة، كما في صحيح مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول ـ وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: ما تصدق عبد بصدقة من كسب طيب ـ ولا يقبل الله إلا الطيب ـ إلا أخذها الرحمن بيمينه ـ وذكر الحديث... اهـ.
ولعل السائل يعني أن نذره هذا المال غير المقدور عليه لا يليق بمقام التقرب إلى الله سبحانه إذا قورن بنذر مال مقدور عليه في الحال، ولكن هذا لا يعني حرمة مثل هذا النذر، وإنما يعني أنه خلاف الأفضل والأكمل، لقوله تعالى: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون {آل عمران: 92}.
فكلما كان المال أحب إلى صاحبه، كان التقرب به إلى الله أعظم لأجره، والنفس أشد تعلقا بالموجود لتيقنه وإن قل، عن المفقود لتعسره وإن كثر، فهو من هذا الوجه أحب إلى النفس.
والله أعلم.