السؤال
أشكركم على هذا الموقع الرائع. في أحد المساجد حضرت عند شيخ يشتغل بالحديث، وجلست عنده عدة مرات، فقال لي أخ: إن الشيخ قد ضعف حديث مسلم: لا تبدؤوا اليهود والنصارى ـ ولم أسمع منه حين ضعفه، وقال: إن سهيل بن أبي صالح صدوق تغير حفظه، وتغيرت الألفاظ بين المشركين واليهود والنصارى، ويرى أن ابن عباس يرى إلقاء السلام عليهم، فقلت للأخ: إن لفظ المشرك واسع يحتمل اليهود والنصارى وعباد الأصنام وكل ملل الكفر، ولا أعتقد أن هذا يتسبب في ضعف حديث، لا سيما في صحيح مسلم، وأما رأي ابن عباس فلم أبحث عنه، وإن صح فأرى أنه جائز بضوابط، كالسلام بمعنى الأمان، مثل إعفاء اللحية، فإن ابن عمر كان يأخذ ما بعد القبضة، ولكن لا أعتقد أن مثل هذه الأشياء قد تؤدي إلى ضعف الحديث، ويضعف بعض الأحاديث، فهل روى هذا الحديث غير سهيل عن أبيه؟ أم انفرد به؟.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الحافظ ابن حجر في إتحاف المهرة طرق هذا الحديث، وكلها تدور على سهيل بن أبي صالح عن أبيه، وهو حديث صحيح، صححه كثير من أئمة الحديث، ويكفي في الدلالة على صحته وجوده في صحيح مسلم، ومع ذلك فقد صححه كثير من الأئمة، إما بلسان المقال، وإما بلسان الحال بأن يعزو أحدهم الحديث إلى صحيح مسلم مكتفيا بذلك، وممن نص على صحته الإمام الترمذي حيث قال عنه عقب روايته: هذا حديث حسن صحيح. انتهى.
وقال البغوي ـ رحمه الله ـ في شرح السنة: هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، عن قتيبة بن سعيد، عن عبد العزيز الدراوردي، عن سهيل. انتهى.
وقال الطحاوي ـ رحمه الله ـ في شرح معاني الآثار: وثبت قوله: لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام, ومن سلم عليكم منهم, فقولوا: وعليكم. انتهى.
وقال ابن الملقن ـ رحمه الله ـ في البدر المنير: الحديث التاسع عشر: أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا تبدؤوا اليهود، والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقها ـ هذا الحديث صحيح، أخرجه مسلم في صحيحه باللفظ المذكور من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. انتهى.
بل ذكر الألباني ـ رحمه الله ـ اتفاق العلماء على صحة هذا الحديث، حيث قال في سلسلة الأحاديث الصحيحة: قوله صلى الله عليه وسلم: لا يقتل مسلم بكافر ـ وقوله: للمسلم على المسلم خمس: إذا لقيته فسلم عليه... الحديث، وقوله: لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام... وكل هذه الأحاديث مما اتفق العلماء على صحتها. انتهى.
وقال عنه الشيخ شعيب الأرناؤوط، ومن معه في تحقيق مسند الإمام أحمد: إسناد صحيح كسابقه. انتهى.
ولم يجعل ـ هؤلاء العلماء، وغيرهم ممن صححوا هذا الحديث ـ اختلاف روايات الحديث من كونهم المشركين، أو اليهود والنصارى، لم يجعلوا ذلك طعنا في ثبوت أصل الحديث، مع أن الغالب أن مصدر هذا الاختلاف هو سهيل الذي يدور عليه الحديث، قال الألباني ـ رحمه الله ـ في سلسلة الأحاديث الصحيحة بعد أن ذكر اختلاف هذه الألفاظ في روايات الحديث: وهذا الاختلاف في لفظه، يبدو لي ـ والله أعلم ـ أنه من سهيل نفسه، فإنه كان فيه بعض الضعف في حفظه. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 6067، 13678، 99615.
والله أعلم.