الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاختلاط يختلف حكمه بحسب حاله وما يترتب عليه، جاء في الموسوعة الفقهية:
يختلف حكم اختلاط الرجال بالنساء بحسب موافقته لقواعد الشريعة أو عدم موافقته، فيحرم الاختلاط إذا كان فيه:
أ ـ الخلوة بالأجنبية، والنظر بشهوة إليها.
ب ـ تبذل المرأة وعدم احتشامها.
ج ـ عبث ولهو وملامسة للأبدان كالاختلاط في الأفراح والموالد والأعياد، فالاختلاط الذي يكون فيه مثل هذه الأمور حرام، لمخالفته لقواعد الشريعة...
ويجوز الاختلاط إذا كانت هناك حاجة مشروعة مع مراعاة قواعد الشريعة، ولذلك جاز خروج المرأة لصلاة الجماعة وصلاة العيد... اهـ.
وبهذا يتضح أن الحكم على الاختلاط في حال معينة قد يختلف فيه أهل العلم، بناء على نظرهم إلى الواقع وتنزيل الحكم الشرعي عليه، ومن ذلك الواقع المسئول عنه في هذا السؤال، فهو من جهة قد روعي فيه شيء من الضوابط الشرعية حيث يجلس الأولاد في الأمام والبنات خلفهم، ولا يجتمعون حال الخروج عند الباب، فيخرج أحد الجنسين أولا، ثم يخرج الجنس الآخر بعده، وهذا بلا شك يضيق ويقلل من ضرر الاجتماع في مكان واحد، ولكن من جهة أخرى، فإن النظر إلى واقع الشباب اليوم وأحوالهم، ورقة دينهم، وزي إناثهم، وسهولة التواصل بينهم بالوسائل الحديثة التي تنقل الصوت والصورة معا، مع ما عرف في الشريعة من باب سد الذرائع المفضية إلى الحرام، فإنه يقضي بالمنع، درءا للمفسدة الغالبة، وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل. رواه البخاري.
وهذا في الخروج إلى الصلاة في المسجد، فما بالنا بغير ذلك، قال القاضي ابن العربي في شرح الموطأ: قولها: ما أحدث النساء ـ تعني الطيب والتجمل وقلة التستر وتسرع كثير منهن إلى المناكر. اهـ.
وقال القاضي عياض في إكمال المعلم: قيل: من حسن الملابس والزينة والطيب، وقيل: يحتمل ما اتسعن فيه من حسن الثياب، وإنما كن أولا في المروط والشمائل والأكسية. اهـ.
ولذلك، نص كثير من أهل العلم على تغير حكم خروج المرأة إلى الصلاة في المسجد بتغير الزمان والأحوال، كما نصوا على التفريق بين أنواع النساء، قال الترمذي في سننه: روي عن عبد الله بن المبارك أنه قال: أكره اليوم الخروج للنساء في العيدين، فإن أبت المرأة إلا أن تخرج فليأذن لها زوجها أن تخرج في أطمارها الخلقان، ولا تتزين، فإن أبت أن تخرج كذلك، فللزوج أن يمنعها عن الخروج... ويروى عن سفيان الثوري أنه كره اليوم الخروج للنساء إلى العيد. اهـ.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: ولا بأس عند جمهور العلماء بمشاهدة المتجالات من النساء ومن لا يخشى عليهن ولا منهن الفتنة والافتتان بين الصلوات، وأما الشواب فمكروه ذلك لهن. اهـ.
وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: اعلم أن نساء الصحابة كن على طريقة الأزواج في التدين والتعبد، وانضم إلى هذا ما في طباع العرب من تقبيح الفواحش... فاجتمع ما في الطباع من الأنفة والعفاف إلى ما وهب الله لهن من الدين، فأذن لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى المساجد، وقد كن يحضرن موعظته، ويصلين خلفه، ويسافرن في الغزوات معه، فمن علم من امرأته حسن المقصد في خروجها إلى الصلاة، فلا يمنعها، ولحسن المقصد علامات: منها ترك الزينة والطيب، والمبالغة في الاستتار، ومن لم يجد ذلك منهن جاز له المنع، فقد قالت عائشة رضي الله عنها: لو علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعده لمنعهن المسجد ـ وقد تكون المرأة حسنة المقصد غير أنها تكون ذات هيكل فتؤذي من يراها، فالاستتار لتلك أولى. اهـ.
وقال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام: الحديث عام في النساء، ولكن الفقهاء قد خصوه بشروط وحالات: منها: أن لا يتطيبن، وهذا الشرط مذكور في الحديث، ففي بعض الروايات: وليخرجن تفلات ـ وفي بعضها: إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا.. فألحق بالطيب ما في معناه، فإن الطيب إنما منع منه لما فيه من تحريك داعية الرجال وشهوتهم، وربما يكون سببا لتحريك شهوة المرأة أيضا، فما أوجب هذا المعنى التحق به... ويلحق به أيضا: حسن الملابس ولبس الحلي الذي يظهر أثره في الزينة.... ومما خص به بعضهم هذا الحديث: أن منع الخروج إلى المسجد للمرأة الجميلة المشهورة. اهـ.
وإذا تقرر هذا، وروعي في الحكم ما هو شائع في زماننا من تبرج كثير من النساء، وتفننهن في أنواع الزينة الظاهرة والخفية، وإطلاق النظر إليهن، وعدم الانضباط في المعاملة ـ أدرك أن ما يحدث من جمع النساء والرجال في المراكز والمؤسسات التعليمية: باب من أبواب الفتنة التي لا يجيزه الشرع المطهر إلا للمضطر، وعلى هذا نص كثير من أهل العلم، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: اختلاط الطلاب بالطالبات والمدرسين بالمدرسات في دور التعليم محرم، لما يفضي إليه من الفتنة، وإثارة الشهوة، ووقوع الفاحشة، ويتضاعف الإثم ويعظم الجرم إذا كشفت المدرسات أو التلميذات شيئا من عوراتهن، أو لبسن ملابس شفافة تشف عما وراءها، أو لبسن ملابس ضيقة تحدد أعضاءهن، أو داعبن الطلاب أو المدرسين ومازحن معهم، أو غير ذلك مما يفضي إلى انتهاك الحرمات والفوضى في الأعراض. اهـ.
وقال الشيخ الشنقيطي صاحب أضواء البيان في رسالة الاختلاط: من الغريب أن يوجد في أمة مسلمة عربية اختلاط الجنسين في الجامعات والمدارس، مع أن دين الإسلام الذي شرعه خالق السموات والأرض على لسان سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم يمنع ذلك منعا باتا، والشهامة العربية والغيرة الطبيعية العربية المملوءة بالأنفة تقتضي التباعد عن ذلك وتجنبه بتاتا، وتجنب جميع الوسائل المفضية إليه، ولا يصح لعاقل أن يشك في أن اختلاط الجنسين في غاية الشباب ونضارته وحسنه أنه أكبر وسيلة وأنجح طريق إلى انتشار الفاحشة... اهـ.
وقال ابن القيم في الطرق الحكمية: لا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام، والطواعين المتصلة.. فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا، بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية ـ قبل الدين ـ لكانوا أشد شيء منعا لذلك. اهـ.
وقد سبق لنا ذكر أدلة منع الاختلاط وبعض التدابير النبوية في هذا الشأن، وذلك في الفتوى رقم: 118479.
وراجع في معنى سد الذرائع الفتويين رقم: 51407، ورقم: 32024.
وإذا كان الأمر كذلك، فلا يجوز التقاط مثل هذه الصورة المذكورة في السؤال، فهي بذاتها مظهر من مظاهر الاختلاط المشين، مع ما يضاف إلى ذلك من ظهور شيء من عورات الطالبات إذا كانت من بينهم طالبة متبرجة، كما هو الغالب.
والله أعلم.