السؤال
لقد حلفت أني لن أدخن وقتا، والله لن أدخن، كنوع من الإقلاع عن التدخين، ثم دخنت، ثم أخرجت كفارة يمين، ثم دخنت.
فهل أخرج عن كل سيجارة كفارة أم ماذا؟
وأريد أن أتراجع عن حلفي، وهذا لا يعني بأني غير عازم على ترك التدخين أبدا.
فكيف أتراجع؟
أفيدوني.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنريد أولا تنبيهك إلى أن الحلف على ترك المعصية يحرم الحنث فيه.
فقد جاء في الموسوعة الفقهية: فاليمين على فعل واجب، أو ترك معصية، كوالله لأصلين الظهر اليوم، أو لا أسرق الليلة، يجب البر فيها، ويحرم الحنث، ولا خلاف في ذلك، كما لا يخفى. انتهى.
فيجب عليك أولا المبادرة إلى التوبة الصادقة من تلك المعصية، ومن غيرها من المعاصي، ومن الحنث في حلفك، فقد قال الله تعالى: ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون {الحجرات:11}.
ومن تاب، تاب الله عليه، والتائب من الذنب، كمن لا ذنب له.
وفي خصوص ما سألت عنه: فإن عليك كفارة واحدة، وهي التي أخرجتها بحنثك في المرة الأولى، فاليمين تنحل بالحنث فيها. إلا إذا حلفت مرة أخرى بعد أن كفرت عن الأولى؛ فحينها تلزمك كفارة أخرى بحنثك.
جاء في الموسوعة الفقهية: لا خلاف في أن من حلف يمينا، فحنث فيها، وأدى ما وجب عليه من الكفارة, أنه لو حلف يمينا أخرى، وحنث فيها، تجب عليه كفارة أخرى, ولا تغني الكفارة الأولى، عن كفارة الحنث في هذه اليمين الثانية. انتهى.
وكذلك إذا كانت يمينك الأولى تقتضي التكرار كأن تقول: والله لن أدخن، وكلما دخنت كفرت عنها.
جاء في الموسوعة الفقهية عند الكلام عن أسباب انحلال اليمين: حصول ما علق عليه الحالف: فتنحل اليمين بوقوع ما علق عليه، إلا إن كانت أداة التعليق تقتضي التكرار، فاليمين تتكرر معها. انتهى.
فهذه اليمين التي تقتضي التكرار لا تنحل؛ أي: لا تنتهي؛ بمعنى أنه لا يمكنك التراجع عنها، فكلما خالفت المحلوف عليه، لزمتك كفارة، ولا تسقط عنك إلا إذا عجزت -حين وجوبها- عن جميع خصالها حتى الصيام، كما رجحه الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع عند كلامه عن سقوط كفارة من جامع في نهار رمضان إذا عجز عنها.
حيث قال -رحمه الله-: القول الراجح أنها تسقط، وهكذا أيضا نقول في جميع الكفارات، إذا لم يكن قادرا عليها حين وجوبها، فإنها تسقط عنه، إما بالقياس على كفارة الوطء في رمضان، وإما لدخولها في عموم قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16]، {لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها} [الطلاق: 7]، وما أشبه ذلك. وعلى هذا فكفارة الوطء في الحيض إذا قلنا: إن الوطء في الحيض يوجب الكفارة، فإنها تسقط. وفدية الأذى إذا لم يجد، ولم يستطع الصوم تسقط، وهكذا جميع الكفارات بناء على ما استدللنا به لهذه المسألة، وبناء على القاعدة العامة الأصولية التي اتفق عليها الفقهاء في الجملة، وهي أنه (لا واجب مع عجز). انتهى.
وكفارة اليمين، هي المذكورة في قول الله تعالى: فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم {المائدة:89}.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 227578، 175679.
والله أعلم.