السؤال
أعطاني شيخ كبير مبلغا من المال لأتصدق به عنه، وجعلني حرا في مدة وكيفية التصدق بهذا المال ـ ولله الحمد ـ تصدقت بأغلبه في صور مختلفة، وبقي جزء قليل من المال أحمله معي أغلب الوقت لأقوم بإخراجه كلما قابلت سائلا أو متعثرا يستحق الصدقة، وهنا سؤال ذو شقين: هل يجوز في حالة نسياني أن أحمل معي مال الصدقة أثناء خروجي أن أتصدق من مالي الخاص بنية استرداده من مال الصدقة عند عودتي للبيت؟ هذا الشق الأول من السؤال، أما الشق الثاني فبالعكس، هل يجوز أن أقترض قرضا يسيرا للحاجة يقدر بعشر أو عشرين جنيها مصريا من مال الصدقة الذي أحمله معي على أن أرده فور عودتي للبيت بعد ساعتين.... ؟ وهل يعتبر هذا من اليسير الجائز أم يعتبر من التعدي غير الجائز على مال الصدقة؟.
وجزاكم الله خيرا على ما تقدمونه لخدمة هذا الدين.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الشق الأول من سؤالك وهو قولك: هل يجوز في حالة نسياني أن أحمل معي مال الصدقة أثناء خروجي أن أتصدق من مالي الخاص بنية استرداده من مال الصدقة عند عودتي للبيت؟ فالجواب عنه: أنه لا حرج في ذلك وهو من الإحسان والمسارعة إلى الخير ـ إن شاء الله تعالى ـ ففيه المبادرة بإيصال الصدقة لمستحقها، وفي ذلك نفع للفقير وللمتصدق، ولا يتنافى مع حفظ الأمانة، ولا يخالف ما أمرت به ولا غرض المتصدق، مع أنه لا فرق بين فلوسك وفلوس المتصدق، فالجميع متساو في القيمة، قال الشيخ علي السالوس، في كتابه: النقود، واستبدال العملات دراسة، وحوار: من المعلوم في عصرنا أن النقود لا تتعين بالتعيين، فمثلا من أخذ ألف ريال من أحد لإعطائها غيره، فلا يشترط إعطاء الأول الأوراق ذاتها التي تسلمها، وهي التي تحمل أرقام كذا، هو إنما تبرأ ذمته بإعطاء ألف ريال، تحمل أي أرقام.
وعليه؛ فدفعك للأوراق النقدية التي في جيبك صدقة بدلا عن الأوراق النقدية الموجودة في الحساب أو البيت على أن تأخذ بدله من المال المحفوظ، لا حرج فيه.
وأما الشق الثاني من سؤالك: وهو حول اقتراض بعض الأمانة مع قدرتك على الوفاء هل يجوز ذلك أم لا؟ فجوابه ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ إذ قال في مجموع الفتاوى: وأما الاقتراض من مال المودع: فإن علم المودع علما اطمأن إليه قلبه أن صاحب المال راض بذلك، فلا بأس بذلك، وهذا إنما يعرف من رجل اختبرته خبرة تامة وعلمت منزلتك عنده، كما نقل مثل ذلك عن غير واحد، وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل في بيوت بعض أصحابه، وكما بايع عن عثمان ـ رضي الله عنه ـ وهو غائب، ومتى وقع في ذلك شك لم يجز الاقتراض. اهـ.
فإن كان صاحب الأمانة النقدية لا يأذن في الاقتراض منها والمؤتمن مليء قادر على الوفاء لوجود مثلها في حسابه أونحوه فيكره له ذلك ويضمن لو فعل، قال الشيخ خليل بن إسحاق رحمه الله تعالى: وحرم سلف مقوم ومعدم، وكره النقد والمثلي ـ قال الدسوقي معلقا: وحاصل ما ذكره أن الوديعة إما من المثليات أو من المقومات، وفي كل إما أن يكون المودع مليئا أو معدما، فالصور أربع: فإن كانت من المقومات، حرم تسليفها بغير إذن ربها مطلقا كان المودع المتسلف لها مليئا أو معدما، وإن كانت من المثليات حرم عليه تسلفها إن كان معدما وكره إن كان مليئا.
والله أعلم.