السؤال
تزوجت من إيطالية، لا زالت على دينها، وكنا قد تزوجنا في مقر البلدية في إيطاليا، في المكان الذي نعيش فيه، مع شهود مسيحيين، ورئيس البلدية هو الذي عقد زواجنا، ولنا الآن بنت وولد.
أرغب في التعرف على قول الإسلام في هذا، وهل زواجنا صحيح وحلال، أم هناك خلل فيما فعلنا؟
الشكر لكم مسبقا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالغالب في الزواج الذي يتم في البلدية ونحوها - وهو ما يسمى بالزواج المدني- أن لا تراعى فيه شروط الزواج الصحيح، والتي قد أوضحناها في الفتوى رقم: 1766. فقد لا يكون بإيجاب وقبول، أو بإذن الولي، ونحو ذلك.
ويكفي في الدلالة على فساد هذا الزواج، كونه قد عقد بشهادة كتابيين، ولا يصح زواج المسلم إلا بشهادة مسلمين، سواء كانت زوجته مسلمة، أم كتابية على الراجح من أقوال الفقهاء.
قال ابن قدامة في المغني: الفصل الثالث: أنه لا ينعقد إلا بشهادة مسلمين، سواء كان الزوجان مسلمين، أو الزوج وحده. نص عليه أحمد، وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة: إذا كانت المرأة ذمية، صح بشهادة ذميين.
قال أبو الخطاب: ويتخرج لنا مثل ذلك، مبنيا على الرواية التي تقول بقبول شهادة بعض أهل الذمة على بعض. ولنا قوله عليه السلام: لا نكاح إلا بولي، وشاهدي عدل. ولأنه نكاح مسلم، فلم ينعقد بشهادة ذميين كنكاح المسلمين. اهـ.
فهذا الزواج فاسد، يجب فسخه، وفي حال الرغبة في استمرار الزوجية، يعقد على الوجه المشروع. وأما الولدان، فيلحق بك نسبهما؛ للشبهة.
وننبه إلى بعض الأمور:
الأول: أنه لا يجوز الزواج من الكافرة، إلا إذا كانت كتابية، عفيفة، وغير الكتابية لا يصح الزواج منها بالاتفاق، فيجب على الزوج حينئذ فراقها، وإن وجد أولاد ينسبون إليه، إن كان الزوج يعتقد حل هذا الزواج.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ، إذا وطئ فيه، فإنه يلحقه فيه ولده، ويتوارثان باتفاق المسلمين، وإن كان ذلك النكاح باطلا في نفس الأمر باتفاق المسلمين... إلى أن قال: فثبوت النسب لا يفتقر إلى صحة النكاح في نفس الأمر، بل الولد للفراش، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش، وللعاهر الحجر. اهـ.
الثاني: أن الزواج من الكتابية العفيفة وإن كان جائزا، إلا أن بعض أهل العلم كرهه؛ لما قد يترتب عليه من محاذير.
جاء في الموسوعة الفقهية: ومع الحكم بجواز نكاح الكتابية، فإنه يكره الزواج منها عند جماعة من أهل العلم؛ لأنه لا يؤمن أن يميل إليها فتفتنه عن الدين، أو يتولى أهل دينها. وقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب: طلقوهن.
وممن كره الزواج بها أيضا مالك؛ لأنها تتغذى بالخمر، والخنزير، وتغذي ولده بهما في فترة إرضاعها له، وهو يقبلها، ويضاجعها، وليس له منعها من ذلك التغذي، ولو تضرر برائحته، ولا من الذهاب للكنيسة، وقد تموت وهي حامل، فتدفن في مقبرة الكفار، وهي حفرة من حفر النار، وفي بطنها ولده، وهو بضعة منه. اهـ.
الثالث: يجب على المسلم المبادرة لسؤال أهل العلم فيما قد يحتاج إلى معرفته، قبل الإقدام على الفعل، وخاصة فيما يتعلق بالزواج لكونه متعلقا بأمر الفروج، وهي مما يتأكد الاحتياط فيها.
قال القرطبي في تفسيره: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها؛ لعدم أهليته فيما لا يعلمه من أمر دينه، ويحتاج إليه: أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده، فيسأله عن نازلته، فيمتثل فيها فتواه؛ لقوله تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. اهـ.
والله أعلم.