السؤال
إذا كان هناك شخص مبتلى بمعصية يعملها، فقام شخص بفضحه وأخذ يتجسس عليه ويتابعه، وجند عددا من الناس للتجسس عليه، وأحال حياة ذلك المبتلى إلى جحيم، فما حكم الشرع في ذلك؟ وهل يحق لهذا الشخص أن يتجسس عليه، مع العلم أنه أيضا يهمزه ويلمزه بكلام جارح؟ وما عقوبة هذا في الشرع؟. وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد خالف هذا الشخص المذكور الشرع من وجوه عديدة، فمنها تجسسه على هذا العاصي وتتبع عوراته، وقد قال الله تعالى: ولا تجسسوا {الحجرات:12}.
وهذا متوعد بالوعيد الشديد لأجل ما فعل، فقد روى الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله.
ومن المخالفات التي وقع فيها كذلك تعييره لأخيه بمعصيته ومخالفته، وليس هذا من شأن المؤمن، فالمؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير، قاله الفضيل رحمه الله: وإنما يحمد ذكر ذنب الغير إذا كان على جهة النصيحة، ويكون ذلك سرا بينه وبين الشخص لا على رؤوس الناس. اهـ
قال ابن رجب رحمه الله: ومن هذا الباب أن يقال للرجل في وجهه ما يكرهه، فإن كان هذا على وجه النصح، فهو حسن وقد قال بعض السلف لبعض إخوانه: لا تنصحني حتى تقول في وجهي ما أكره، فإذا أخبر الرجل أخاه بعيبه ليجتنبه كان ذلك حسنا، ويحق لمن أخبر بعيب من عيوبه أن يعتذر منها، إن كان له منها عذر، وإن كان ذلك على وجه التوبيخ بالذنب فهو قبيح مذموم، وقيل لبعض السلف: أتحب أن يخبرك أحد بعيوبك، فقال: إن كان يريد أن يوبخني فلا، فالتوبيخ والتعيير بالذنب مذموم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تثرب الأمة الزانية مع أمره بجلدها، فتجلد حدا ولا تعير بالذنب ولا توبخ به، وفي الترمذي وغيره مرفوعا: من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله. انتهى.
وقال أيضا رحمه الله: وكان السلف يكرهون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على هذا الوجه، ويحبون أن يكون سرا فيما بين الآمر والمأمور، فإن هذا من علامات النصح، فإن الناصح ليس له غرض في إشاعة عيوب من ينصح له، وإنما غرضه إزالة المفسدة التي وقع فيها، وأما الإشاعة وإظهار العيوب فهو مما حرمه الله ورسوله، قال تعالى: إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ـ الآيتين، والأحاديث في فضل الستر كثيرة جدا، وقال بعض العلماء لمن يأمر بالمعروف: اجتهد أن تستر العصاة، فإن ظهور عوراتهم وهن في الإسلام، وأحق شيء بالستر: العورة، فلهذا كان إشاعة الفاحشة مقترنة بالتعيير، وهما من خصال الفجار، ولأن الفاجر لا غرض له في زوال المفاسد ولا في اجتناب المؤمن للمعائب والنقائص، إنما غرضه في مجرد إشاعة العيب في أخيه المؤمن، وهتك عرضه، فهو يعيد ذلك ويبديه ومقصوده تنقص أخيه المؤمن في إظهار عيوبه ومساوئه للناس ليدخل عليه بذلك الضرر في الدنيا، وأما الناصح فغرضه بذلك إزالة عيب أخيه المؤمن باجتنابه له، وبذلك وصف الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم فقال: لقد جاءكم رسول من أنفسكم.. الآية. انتهى.
فربما كان ذنب هذا الشخص بتجسسه على أخيه وفضيحته وإشاعة السوء عنه وتعييره بذنبه أعظم من ذنب ذلك الشخص، فعليه أن يتوب إلى الله تعالى ويعتذر من أخيه، وعليه أن يجعل نصحه له سرا رغبة في استقامته وهدايته. وعلى هذا الشخص المذنب أن يتوب إلى الله تعالى من ذنبه، وألا يجعل لأحد عليه سبيلا بالتعيير والتوبيخ، هدانا الله جميعا صراطه المستقيم.
والله أعلم.