السؤال
أتمنى منكم أن تخبروني عن الجمع بين الحديث التالي، وعذاب القبر. أنا أعلم علم اليقين صحة أحاديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا أنكرها، وأعلم أن عقلي قاصر؛ فلجأت إليكم؛ لتبينوا لي الجمع بين أحاديث كثيرة، أعجز عن فهمها، أو لم يقنعني جمع ابن حجر -رحمه الله- بينها. حديث: باب صبغ أنعم أهل الدنيا في النار، وصبغ أشدهم بؤسا في الجنة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا، والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا، والله يا رب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط. ظاهر الحديث أن الكافر المنعم، ما زال حتى يوم القيامة يشعر بنعمة الله، حتى تم غمسه في النار. وأيضا لماذا يتم غمسه في النار، وهو في الأصل عذب في قبره؟ ألا يبدو -فيما يظهر لغير المتعلم-أن هذا يناقض عذاب القبر؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس هناك تعارض بين هذا الحديث، وبين عذاب القبر، فإن الحديث يدل على أن تلك الصبغة في النار، تنسيه كل نعيم كان يتنعم به في الدنيا.
قال العلامة علي الملا القاري في مرقاة المفاتيح، شرح مشكاة المصابيح: وفي الكلام مبالغة لا تخفى، حيث أوقع الاستفهام على مجرد الرؤية والمرور، دون الذوق، والتمتع، والسرور، (فيقول: لا) أي ما رأيت (والله يا رب) نفي مؤكد بالقسم، والنداء في الجواب، لما أنسته شدة العذاب ما مضى عليه من نعيم الدنيا. انتهى.
فهذا الحديث يثبت أن الكافر لا يبقى معه شعوره، وتذكره للنعيم عند ما يغمس في النار، ولا يلزم من ذلك تعارضه مع عذاب القبر، فإننا لم نثبت أن المعذب في قبره، لا يتذكر شيئا من نعيم الدنيا، حتى يرد استشكالك، مع ملاحظة أن الأحوال المتعلقة بما بعد الموت، لا تقاس بالعقل، ولا تستند إلى حس؛ لأنها من الغيب، وغير مستغرب أن الغمسة في النار لها هذا الأثر العظيم، الذي لا يكون لعذاب القبر؛ لعظمة عذاب النار، وخفة عذاب القبر إذا قورن به. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 157333.
وأما قولك: (لماذا يتم غمسه في النار، وهو بالأصل عذب في قبره)؟ فنكتفي في جوابه، برد مثله عليك، وهو: لماذا يعذب أصلا في قبره؟ فإذا كان هذا لا يشكل عليك، فلا ينبغي أن يشكل عليك عذابه في الآخرة وشدته.
والله أعلم.