مخالفة الإجماع.. كفر أم معصية؟

0 192

السؤال

أرجو القراءة إلى النهاية.
سؤالي كان رقم: 2619513 وهذه هي المرة الرابعة التي أبعث لكم فيها السؤال، وفي كل مرة تحيلوني لفتاوى أخرى، لكن في المرة الماضية، أحلتموني على فتوى تتعلق بالوساوس، وأنا ليست عندي وساوس، لكني كتبت السؤال بالتفصيل؛ لكي أجد الحكم بدقة، والفتوى الثانية التي أحلتموني إليها هي التي أحلتموني إليها المرة التي قبل الفائتة، وقد قرأتها كاملة، ولم أصل إلى الجواب الذي يريحني.
فأرجوكم أعطوني إجابة مباشرة على هذا الموضوع (موضوع الملاكمة) لأنكم لو لم تجيبوا، سأضطر إلى أن أفعل ما أراه، وهذا سيكون آخر حل لي، فسأبعث السؤال لآخر مرة.
أرجو القراءة إلى النهاية، أرجو القراءة إلى النهاية.
كنت أريد أن أعرف ما حكم عدم اقتناعي بفتوى، رغم الإجماع عليها، وبيان الدلائل عن لعبة الملاكمة، مع أني لم أنكر الأحاديث، إلا أني غير مقتنع بتطبيقها في هذا الموضوع. بمعنى لقد أراني صديقي الأسئلة التي أرسلها لكم، وفتاواكم الأخرى عن موضوع الملاكمة، والفنون القتالية الأخرى، وقلتم إن دخول البطولات، والضرب، والأذى، حرام، إلا أني أراها حلالا، مع أني لم أنكر حديث: لا ضرر، ولا ضرار. أو حديث: إذا قاتل أحدكم أخاه، فليجتنب الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته. ولا أنكر أضرار اللعبة مهما بلغت، ومهما كانت، لدرجة أني لا أريد أن أذكرها في سؤالي، ولكني مؤمن بهذه الأحاديث، ومقتنع بتطبيقها في مواضيع أخرى (مع أني لا أعرف المواضيع الأخرى) لكن ليس في هذا الموضوع (لاقتناعي بفوائد هذه اللعبة، واقتناعي بأهمية التعود على المواجهة لتنمية الشجاعة (حتى و لو على الأقل التعود عليها، وأنا ألبس الواقيات، أيضا ستبقى نسبة حدوث ضرر، غير أني سألت مدربين، أحدهما قال لي: إن الحوادث المؤذية نادرة الحدوث، وإن أقصى شيء سيحصل، أن الشخص سيصاب بالإغماء، والمدرب الآخر قال لي: بضع حالات، لكن لو قارنها بعدد الناس الذين يلعبون، ستكون نسبة قليلة جدا) أو يمكن أني غير مقتنع بأنها حرام لهواي، ولأني أريد أن ألعب، أو يمكن لأني لا أريد أن أربط الأحاديث بهذا الموضوع؛ لأني أريد أن أثبت شيئا خاصا بي، ولا أريد تدمير هدفي. ويمكن أني أفسر، أو فسرت الأحاديث بناء على قناعاتي، أو بناء على هوى نفسي.
ويمكن أن تكون كل هذه الاحتمالات في عقلي (أرجو أن تجيبوني بناء على كل الاحتمالات) لكن في النهاية، منذ فترة لم أستطع أن أغير ما بداخلي اتجاه موضوع الملاكمة.
المهم السؤال، والاختلاف بيني وبين أصدقائي: أني أقول لهم إني لم أنكر شيئا من المعلوم من الدين بالضرورة، وأني مؤمن بالأحاديث، وأني لست بكافر، أو عاص (سواء كنت غير مقتنع لهوى نفسي فقط، أو غير مقتنع لإيماني بفوائدها).
ومنهم من يقول: هذا ذنب، وليس كفرا، وقد اختلفنا.
فليتكم تحكمون بيننا.
أرجوكم ألا تقولوا لي حكم الملاكمة، فأنتم قلتم بما فيه الكفاية، وجزاكم الله خيرا، لكني أتحدث هل اقتناعي واستمراري في اللعبة، وكل ما قلته كفر أم ذنب أم لا؟
وما علاقة كل ما قلت بإنكار المعلوم من الدين بالضرورة، أم ما قلت ليس له علاقة بهذه القاعدة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فبداية ننبه على أن الحكم بتحريم الملاكمة على صورتها المتعارف عليها في المباريات التنافسية، حكم معلل، وعلته مفهومة، فإن زالت هذه العلة، وكانت غاية ممارسة هذه الرياضة تقوية البدن، واكتساب خبرة في الدفاع عن النفس، دون إيقاع ضرر ـ لا بالنفس، ولا بالغير ـ زالت الحرمة تبعا، فإن الأحكام تدور مع العلل، وجودا وعدما، وهذا قد سبق أن نبهنا عليه، ونقلنا إجماع علماء مجمع الفقه الإسلامي، التابع لرابطة العالم الإسلامي، على حرمة الملاكمة المعهودة اليوم، والتي تقوم على أساس استباحة إيذاء كل من المتغالبين للآخر، إيذاء بالغا في جسمه. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 130472
وإنما قدمنا ذلك، سعيا في إزالة الشبهة عن السائل في هذا الحكم.

 وأما ما ذكره من ممارسة هذه الرياضة مع لبس واقي الوجه، فهذا مع مراعاة اللاعبين للحدود الشرعية، وتخليص ممارستها من استباحة إيذاء الخصم، وتحري عدم الإضرار به، يمكن أن يكون رافعا للحرمة. وذلك أن السائل نقل عن المدربين في حال استعمال الواقي، ما محصله أن ذلك لا يمنع الضرر بالكلية، ولكن يقلله جدا، ويجعل حدوثه في حكم النادر، وأنه إن حصل يكون محدودا ومحتملا، يعني أنه لا يؤدي إلى هلاك النفس، أو تلف الأعضاء، ونحو ذلك من الأضرار الشديدة. فكيف لو تحرى اللاعبون مع ذلك: عدم الإضرار بالخصم، ولم يستبيحوا إيذاءه؟!
وإذا اتضح ذلك، زال إشكال السائل؛ لأن القدر النافع من مثل هذه الرياضة، يمكن تحصيله دون الوقوع في المحاذير الشرعية، إذا تخلينا عن العرف السائد في هذه الرياضة، وصار الغرض تقوية البدن، وتعلم فنون الدفاع عن النفس، لا إيذاء الخصم والإضرار به؛ للتغلب عليه، والفوز في المنافسة.
 وبغض النظر عما تقدم، وعن هذه المسألة بخصوصها، فإن المسلم إذا استبان له إجماع العلماء على حكم شرعي، وجب عليه العمل به، وحرم عليه مخالفته، لأن الإجماع إن حصل بالفعل، كان حجة ملزمة، ومخالفته بعد ذلك لا تكون إلا لهوى، أو شبهة. فإذا أزيلت الشبهة، لم يبق إلا الهوى المذموم ـ والعياذ بالله ـ ومخالفة الإجماع معصية، ولا تكون كفرا إلا اقتضت رد، أو جحد نص معلوم شائع بين الناس. وراجع في ذلك الفتويين: 185943، 278461. وراجع لمزيد الفائدة، الفتوى رقم: 313435.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة