الحارث بن أسد المحاسبي وكتبه

0 268

السؤال

ما رأي علماء الأمة، والمذاهب الأربعة لأهل السنة والجماعة في الشيخ الحارث المحاسبي؟ وما هو رأيهم في كتاب: التوهم الخاص به؟ وهل يقرأ؟ وهل أدعو الناس إلى قراءته؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فالحارث بن أسد المحاسبي -رحمه الله- من أئمة الزهد الكبار، وقد أثنى عليه كثير من أهل العلم، وعلى كتبه، ولكن حذر بعض العلماء من كتبه وتصانيفه؛ لما وقع فيها من التدقيق الشديد الذي لم يكن من شأن السلف، ولما تلبس به الحارث من الخوض في شيء من علم الكلام، وهاك بعض كلام الأئمة في الحارث.

  قال الخطيب البغداديالحارث بن أسد أبو عبد الله المحاسبي، أحد من اجتمع له الزهد والمعرفة بعلم الظاهر والباطن. وحدث عن يزيد بن هارون، وطبقته. روى عنه أبو العباس بن مسروق الطوسي، وغيره. وللحارث كتب كثيرة في الزهد، وفي أصول الديانات، والرد على المخالفين من المعتزلة، والرافضة، وغيرهما، وكتبه كثيرة الفوائد، جمة المنافع. وذكر أبو علي بن شاذان يوما كتاب الحارث في الدماء، فقال: على هذا الكتاب عول أصحابنا في أمر الدماء التي جرت بين الصحابة. انتهى.

  وقال الذهبي في السير: الزاهد، العارف، شيخ الصوفية، أبو عبد الله الحارث بن أسد البغدادي، المحاسبي، صاحب التصانيف الزهدية. انتهى.

  وقال أيضا: قلت: المحاسبي كبير القدر، وقد دخل في شيء يسير من الكلام، فنقم عليه. وورد: أن الإمام أحمد أثنى على حال الحارث من وجه، وحذر منه. قال سعيد بن عمرو البرذعي: شهدت أبا زرعة الرازي، وسئل عن المحاسبي وكتبه، فقال: إياك وهذه الكتب، هذه كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر تجد غنية، هل بلغكم أن مالكا، والثوري، والأوزاعي صنفوا في الخطرات والوساوس؟ ما أسرع الناس إلى البدع. قال ابن الأعرابي: تفقه الحارث، وكتب الحديث، وعرف مذاهب النساك، وكان من العلم بموضع، إلا أنه تكلم في مسألة اللفظ، ومسألة الإيمان. انتهى.

 وذكر ابن كثير -رحمه الله- قول أحمد لبعض أصحابه: ما رأيت أحدا يتكلم في الزهد مثل هذا الرجل، وما رأيت مثل هؤلاء، ومع هذا، فلا أرى لك أن تجتمع بهم.

 ثم قال مبينا وجه تحذير الإمام أحمد من كتبه، مع ثنائه عليه، وعلى زهده، ما عبارته: قال البيهقي: يحتمل أنه كره له صحبتهم; لأن الحارث بن أسد وإن كان زاهدا، لكنه كان عنده شيء من علم الكلام، وكان أحمد يكره ذلك، أو كره له صحبتهم؛ من أجل أنه لا يطيق سلوك طريقتهم، وما هم عليه من الزهد والورع. قلت: بل إنما كره ذلك; لأن في كلام بعض هؤلاء من التقشف الذي لم يرد به الشرع، والتدقيق، والتنقير، والمحاسبة البليغة ما لم يأت به أمر; ولهذا لما وقف أبو زرعة الرازي على كتاب الحارث بن أسد المسمى "بالرعاية" قال: هذا بدعة، ثم قال للرجل الذي جاءه به: عليك بما كان عليه مالك، والثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، ودع هذا فإنه بدعة. انتهى.

  والحاصل أن في كتب الحارث المحاسبي، ومنها كتاب التوهم نفعا وخيرا، ولكن فيها تدقيقا زائدا، مخالفا لما كان عليه السلف.

ومن ثم؛ فإننا لا نرى أن يقرأ أمثال هذه التصانيف إلا من كان على حظ من العلم؛ ليميز بين ما ينفع منها وما يضر، وأما المبتدئ في طريق التحصيل، فعليه في كتب السلوك بما كان نقيا من الشوائب، ككتب الزهد التي صنفها الأئمة، وتصانيف ابن القيم، وابن رجب، ونحوهما من أئمة السنة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة