إيضاحات حول حديث: فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ...

0 187

السؤال

جزاكم الله كل الخير على هذا الجهد وجعله في ميزان حسناتكم، سؤالي عن حديث: فقدت أمة من بني إسرائيل... وحسب ما فهمت فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يبين أن الأمة التي فقدت أو مسخت عاشت لفترة قصيرة أم لا, وهل لها نسل أم لا؟.
ثانيا قرأت تفسيركم لهذا الحديث لأحد السائلين، وحسب ما فهمت فإن الرسول عليه الصلاة والسلام اعتقد أنها مسخت إلى الفأر، فهل كان هذا الاعتقاد خاطئا والعياذ بالله؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فقدت أمة من بني إسرائيل لا يدرى ما فعلت، وإني لا أراها إلا الفأر، إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشرب، وإذا وضع لها ألبان الشاء شربت.

ففي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يظن ويتوقع أن الفأر مسخ، لأنها لا تشرب ألبان الإبل، وبنو إسرائيل لا يشربون ألبان الإبل، فجعل ذلك قرينة على أن الفأرة من بقايا من مسخ من بني إسرائيل، وهذا الإخبار هو من ظن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس وحيا، كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: لا أراها ـ أي: لا أظنها، ومما يدل على الجزم بذلك ما جاء في صحيح مسلم عن ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم، ذكرت عنده القردة والخنازير من مسخ، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك.

فهنا خبر جازم بأن المسخ لا نسل لهم ولا عقب، فيكون ما جاء في حديث أبي هريرة بشأن الفأر مقولا قبل أن يوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء في خبر ابن مسعود هذا، قال ابن الجوزي: لا أراها ـ أي لا أظنها، والظاهر أنه قال هذا بظنه، ثم أعلم بعد ذلك فقال ما سبق في مسند ابن مسعود: إن الله لم يمسخ مسخا فيجعل له نسلا ولا عاقبة. اهـ.

وقال القرطبي: ما ذكره في الفأرة لما قال: فقدت أمة من بني إسرائيل لا أدرى ما فعلت، ولا أراها إلا الفأر ـ كان هذا منه صلى الله عليه وسلم ظنا، وحدسا قبل أن يوحى إليه: إن الله تعالى لم يجعل لمسخ نسلا ـ فلما أوحي إليه بذلك زال عنه ذلك التخوف، وعلم أن الضب، والفأر ليسا من نسل ما مسخ، وعند ذلك أخبرنا بقوله: إن الله لم يجعل لمسخ نسلا. اهـ.

وفي الإفصاح لابن هبيرة: أما قوله: لا أراها إلا الفأر ـ فإنه يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطع بذلك، وقد سبق في مسند ابن مسعود: إن الله لم يمسخ مسخا، فيجعل له نسلا ـ فالعمل على ذلك الذي قطع عليه. اهـ.

وفي الكوثر الجاري للكوراني: فقدت أمة من بني إسرائيل لا يدرى ما فعلت، وإني لا أراها إلا الفأر ـ فإن قلت: روى ابن مسعود أن رسول الله قال: لم يجعل الله لمن مسخ نسلا ـ رواه مسلم، قلت: هنا إخبار لم يكن عن وحي، وإنما استدل على ذلك بأنها لم تشرب ألبان الإبل، لأنها كانت محرمة على بني إسرائيل، ولما علم وحيا أخبر به جزما -كما في رواية مسلم- فلا إشكال. اهـ.

وليس في خطأ ظن النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا أي غض أو نقص من جليل مقامه ورفيع مكانته، وقد أخرج مسلم في صحيحه عن موسى بن طلحة، عن أبيه، قال: مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رءوس النخل، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ فقالوا: يلقحونه، يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظن يغني ذلك شيئا ـ قال: فأخبروا بذلك فتركوه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنا، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا، فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل.

وانظر الفتويين رقم: 112841، ورقم: 177443.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات