السؤال
إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم ـ فهل يفهم من هذا الحديث وجوب تغيير الشيب؟ أم الاستحباب فقط؟ أم أنه مباح؟ وهل يشمل ذلك شعر الرأس واللحية؟ أم شعر اللحية فقط؟ وإذا ظهر الشيب في بعض شعر الرأس واللحية، فهل يجب تغييره؟ أم يكون ذلك عند اكتمال الشيب في جميع شعر الرأس واللحية فقط، وعندها نغيره؟ وما هي صفة تغيير الشيب؟ وهل يجب صبغ كافة شعر الرأس واللحية؟ أم يكفي صبغ جزء منه فقط؟ وإلى أي لون يستحب تغيير الشيب؟.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالأمر بتغيير الشيب ليس للوجوب، بل للاستحباب، ولم يقل أحد من العلماء فيما نعلم أنه للوجوب، قال القرطبي في المفهم: قوله في: غيروا هذا الشيب ـ أمر بتغيير الشيب، قال به جماعة من الخلفاء، والصحابة، لكن لم يصر أحد إلى أنه على الوجوب، وإنما هو مستحب، وقد رأى بعضهم: أن ترك الخضاب أفضل وبقاء الشيب أولى من تغييره، متمسكين في ذلك بنهي النبي صلى الله عليه وسلم، عن تغيير الشيب على ما ذكروه، وبأنه صلى الله عليه وسلم لم يغير شيبه، ولا اختضب، قلت: وهذا القول ليس بشيء، أما الحديث الذي ذكروه: فليس بمعروف، ولو كان معروفا فلا يبلغ في الصحة إلى هذا الحديث... اهــ.
وقد نقل بعض الفقهاء الإجماع على أن كلا الأمرين سواء تغيير الشيب أو عدمه ليس للوجوب، قال النووي في شرح مسلم: وقال القاضي: اختلف السلف من الصحابة والتابعين في الخضاب وفي جنسه، فقال بعضهم: ترك الخضاب أفضل ورووا حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن تغيير الشيب، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يغير شيبه، روي هذا عن عمر وعلي وأبي وآخرين ـ رضي الله عنهم ـ وقال آخرون: الخضاب أفضل، وخضب جماعة من الصحابة والتابعين.... قال الطبراني: الصواب أن الآثار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير الشيب، وبالنهي عنه، كلها صحيحة، وليس فيها تناقض، بل الأمر بالتغيير لمن شيبه كشيب أبي قحافة والنهي لمن له شمط فقط، قال واختلاف السلف في فعل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك مع أن الأمر والنهي في ذلك ليس للوجوب بالإجماع... اهـ.
واستحباب تغيير الشيب لشعر الرأس واللحية أيضا، وله أن يخضب شعر رأسه أو لحيته ولو لم يشب كله، وأما اللون فإن له أن يخضب بأي لون غير السواد، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: تغيير الشعر بغير السواد لا حرج فيه... انتهى.
وجاء في فتاوى نور على الدرب لابن عثيمين: وأما صبغ الشيب بغير السواد من الألوان، فلا بأس به، ولا حرج فيه. انتهى.
وكذا نص الفقهاء على منع الصبغ بالبياض استعجالا للشيخوخة، أو لإيهام التعظيم، ونحو ذلك، ورخصوا في ذلك للحاجة، قال النووي في شرح مسلم: وقد ذكر العلماء في اللحية عشر خصال مكروهة بعضها أشد قبحا من بعض... الثالثة: تبييضها بالكبريت أو غيره استعجالا للشيخوخة لأجل الرياسة والتعظيم وإيهام أنه من المشايخ. انتهى.
وأفضل لون يصبغ به الشعر الحناء والكتم ويصير لونه أحمر، لما في الحديث: إن أحسن ما غير به هذا الشيب الحناء والكتم. رواه أبو داود، وصححه الألباني.
وقد ثبت عن السلف الخضاب بالحناء منهم أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ وأخرج أحمد أيضا من طريق شيبان عن عثمان بن عبد الله، قال: دخلنا على أم سلمة فأخرجت إلينا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو مخضوب أحمر بالحناء والكتم.
والله أعلم.