السؤال
جزاكم الله كل خير على هذا الجهد المبذول لتعريف الناس بدينهم.
لدي سؤال: بنتي مصابة بالاكتئاب منذ فترة، وتأخذ علاجا دوائيا، وكذلك جلسات مع مدربة لمعالجة التشوه المعرفي، والسلوكي لديها بسبب المرض، ولأن الدواء له مضاعفات منها غلبة النوم، ويسبب الجوع الشديد، فقد أخبرنا الطبيب في حال عدم قدرتها على الصوم أن تفطر.
فهل يكون هذا مبررا للفطر؟ وهل تقضيه بعد العلاج، أم تلزمها الكفارة؟
وبسبب الدواء يصعب استيقاظها لصلاة الصبح، وقد تصليها بعد الوقت، وكذلك بسبب التشوه المعرفي، يخرج جزء من شعرها أثناء خروجها، وطول الطريق أكلمها لتغطية الشعر الخارج من مقدمة الرأس، وهي لا تلتفت لي، ولما أقول.
فماذا أفعل معها؟
وهل يلحق بي أي إثم بسبب ذنوب زوجتي وابنتي، سواء بالتفريط في بعض شؤونهما مثل الحجاب، وغطاء الرأس الملون (ألوان غير فاقعة، وفيها زركشة ورد غير سادي) علما بأنني طول حياتي وأنا أتكلم معهما، وغير راض بذلك، وأنكر عليهما عندما أرى مثل هذه الأشياء، وأتهم بأني سبب في حالة ابنتي، بكثرة ملاحظاتي الشديدة.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن ضابط المرض المبيح للفطر: هو ما إذا كان الصوم يزيد في المرض، أو يؤخر البرء، أو يجد المريض إن صام مشقة يشق احتمالها، فإن أخبر الطبيب المسلم الثقة بأن صوم ابنتك يضرها، فإنه يجوز لها الفطر.
جاء في كشاف القناع: (والمريض) غير الميؤوس من برئه (إذا خاف) بصومه (ضررا بزيادة مرضه، أو طوله) أي: المرض (ولو بقول مسلم ثقة، أو كان صحيحا فمرض في يومه، أو خاف مرضا لأجل عطش، أو غيره سن فطره، وكره صومه وإتمامه) أي: الصوم. اهـ.
وإن كان المرض يرجى برؤه، وغير ميؤوس منه: فإن الواجب هو القضاء إذا برئ المريض من المرض، فالفدية إنما هي على من عجز عن القضاء تماما لكبر، أو مرض لا يرجى برؤه، وراجع الفتوى رقم: 263569.
وأما نوم البنت عن الصلاة بسبب تأثير الأدوية: فلا إثم عليها فيه -إن شاء الله- ما دامت محتاجة لتناول تلك الأدوية بوصية الأطباء الثقات، كما سبق في الفتوى رقم: 157489.
وأما مدى مسؤولية الرجل عن احتجاب زوجته، وبناته، فقد سبق الكلام عنها في الفتوى رقم: 191597، والفتوى رقم: 123610.
لكن المريضة النفسية لها خصوصية يجب أن تراعى، في طريقة نهييها عن التقصير في الحجاب، وفي التعامل معها إن لم تستجب، فتؤمر وتنهى بحسب الإمكان، ومدار الأمر على مراعاة المصالح، والموازنة بين مصلحة نهيها عما تقع فيه من مخالفة، وبين المفسدة المترتبة على ذلك، فيقدم الأعلى منهما.
قال ابن تيمية: فإن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، هو الذي بعثت به الرسل، والمقصود تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان. فإذا كان الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر مستلزما من الفساد أكثر مما فيه من الصلاح، لم يكن مشروعا. اهـ.
وقال أيضا: فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بتحصيل أعظم الضررين، فإن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان. ومطلوبها: ترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا جميعا، ودفع شر الشرين إذا لم يندفعا جميعا. اهـ.
والله أعلم.