السؤال
سؤالي عن منع النبي صلى الله عليه وسلم لعلي، من أن يتزوج بنت أبي جهل.
هل ذلك كان بسبب منع علي -رضي الله عنه- من الزواج على السيدة فاطمة -رضي الله عنها- بأي امرأة كانت، أم كان المنع لأن عليا -رضي الله عنه- اختار بنت أبي جهل؟
أيضا قرأت أن عار الآباء يمتد إلى أعقابهم. كيف يتوافق هذا مع قوله تعالى: ((ولا تزر وازرة وزر أخرى))
إذا كان المنع بسبب أنها بنت عدو الله، ما ذنبها في فعل أبيها وهي مسلمة، حسنة الإسلام؟
أرجو الرد على سؤالي بالتفصيل.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمنع النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- زواج ابنة أبي جهل، لم يكن بسبب كونها بنت أبي جهل، ولكن لتأذي فاطمة -رضي الله عنها- من تزوج علي -رضي الله عنه- عليها، وخوفه صلى الله عليه وسلم من الفتنة عليها بسبب الغيرة، ولولا ذلك لم يمنعه النبي صلى الله عليه وسلم من زواج ابنة أبي جهل أو غيرها.
قال النووي -رحمه الله-: وقد أعلم صلى الله عليه وسلم بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي، بقوله صلى الله عليه وسلم: لست أحرم حلالا، ولكن نهى عن الجمع بينهما لعلتين منصوصتين: إحداهما: أن ذلك يؤدي إلى أذى فاطمة، فيتأذى حينئذ النبي صلى الله عليه وسلم، فيهلك من أذاه، فنهى عن ذلك لكمال شفقته على علي، وعلى فاطمة. والثانية: خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة.
وقال القسطلاني -رحمه الله-: فيه إشارة إلى إباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي -رضي الله عنه- ولكن نهى عن الجمع بينها وبين ابنته فاطمة -رضي الله عنها- لأن ذلك يؤذيها، وأذاها يؤذيه صلى الله عليه وسلم، وخوف الفتنة عليها بسبب الغيرة.
وقال ابن حجر -رحمه الله-: ويؤخذ من هذا الحديث أن فاطمة لو رضيت بذلك، لم يمنع علي من التزويج بها، أو بغيرها.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد اشترط على علي ألا يتزوج على فاطمة، ولذلك منعه من التزوج عليها، وذكر بعضهم أن هذا المنع خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو بفاطمة -رضي الله عنها-.
قال ابن حجر -رحمه الله-: والذي يظهر لي أنه لا يبعد أن يعد في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتزوج على بناته، ويحتمل أن يكون ذلك خاصا بفاطمة عليها السلام.
وللإمام ابن القيم في زاد المعاد توجيه حسن جميل، نذكره بنصه؛ لنفاسته حيث قال رحمه الله: وفي منع علي من الجمع بين فاطمة -رضي الله عنها- وبين بنت أبي جهل، حكمة بديعة، وهي أن المرأة مع زوجها في درجته تبع له، فإن كانت في نفسها ذات درجة عالية، وزوجها كذلك، كانت في درجة عالية بنفسها وبزوجها، وهذا شأن فاطمة وعلي -رضي الله عنهما- ولم يكن الله عز وجل ليجعل ابنة أبي جهل مع فاطمة -رضي الله عنها- في درجة واحدة لا بنفسها، ولا تبعا، وبينهما من الفرق ما بينهما، فلم يكن نكاحها على سيدة نساء العالمين مستحسنا لا شرعا، ولا قدرا، وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله: والله لا تجتمع بنت رسول الله، وبنت عدو الله في مكان واحد أبدا، فهذا إما أن يتناول درجة الآخر بلفظه، أو إشارته. اهـ.
والله أعلم.