السؤال
إذا كان الحجاب الصحيح بشروطه التي حددها العلماء (وليس حجاب الموضة المنتشر هذه الأيام !) فرضا على كل مسلمة في كل زمان ومكان، فلماذا أمر الله المؤمنات بالحجاب: في سورة النور، الآية(31)، وسورة الأحزاب، الآية(59). ولم يأمر المسلمات بالحجاب: رغم أن الإيمان أخص من الإسلام؛ حيث يمكن أن تكون المرأة مسلمة، ولا تكون مؤمنة؛ بدليل قول الله (قالت الأعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم) الحجرات(14).
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإيمان والإسلام لفظان إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، والمعنى أن لفظ الإيمان إن ورد منفردا في سياق فهو شامل للإسلام، وكذا العكس، ولكن إن اجتمعا في سياق واحد كان الإيمان أخص من الإسلام، قال شارح الطحاوية: الإسلام والإيمان: إذا قرن أحدهما بالآخر، كما في قوله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} وقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم لك أسلمت وبك آمنت -: كان المراد من أحدهما غير المراد من الآخر. وكما قال صلى الله عليه وسلم: الإسلام علانية، والإيمان في القلب. وإذا انفرد أحدهما شمل معنى الآخر وحكمه، وكما في الفقير والمسكين ونظائره، فإن لفظي الفقير والمسكين إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا. انتهى، وقال السفاريني رحمه الله: فالإيمان والإسلام كاسم الفقير والمسكين إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فإذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر، وإذا قرن بينهما احتاج كل واحد منهما إلى تعريف يخصه، فإذا قرن بين الإيمان والإسلام فالمراد بالإيمان جنس تصديق القلب، والإسلام جنس العمل. انتهى.
فإذا علمت هذا زال عنك الإشكال، وتبين أن الله تعالى حين يأمر المؤمنين بأمر يخصهم به؛ سواء كان الحجاب أو غيره فإن أمره هذا شامل للمسلمين؛ لأن الإيمان إذا ذكر منفردا شمل الدين كله، فإذا توجه الأمر لمن آمن كان متوجها لمن انتسب إلى هذا الدين، يبقى أن إيثار التعبير بلفظ الإيمان لما فيه من فائدة أن مقتضى الإيمان هو الامتثال والمبادرة بتنفيذ الأمر الإلهي، قال القاسمي: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم أي مقتضى إيمانكم الغض عما حرم الله تعالى النظر إليه ويحفظوا فروجهم أي عن الإفضاء بها إلى محرم، أو عن الإبداء والكشف. انتهى.
والشائع في الأسلوب القرآني هو مخاطبة المؤمنين بوصف الإيمان الذي مقتضاه المبادرة بالامتثال والمسارعة إلى الانقياد، فلا جرم أن الخطاب جاء في الموضعين المذكورين لنساء المؤمنين وللمؤمنات خاصة لهذا المعنى.
والله أعلم.