مذاهب العلماء في سفر الزوج ببعض زوجاته دون بعض

0 352

السؤال

زوجي تزوج بامرأة أخرى، وسافر لعمله بدول الخليج هو والمرأة الجديدة، وتركني أنا والأولاد، وبهذا يكون غير عادل بيني وبينها، وهو ليس متدينا، ولا يحسب حسابا للموت، ولا يخاف الله، وأنا موظفة، ودائما يجلب لي مشاكل، يريد راتبي، هل له حق فيه؟
أرجو أن تزودوني بمعلومات عن الزواج الثاني حتى يهدأ قلبي، ودائما أشكوه إلى الله، وأدعو عليه أن ينتقم منه؛ لأني لم أقصر معه، ولي سبعة أولاد، وقد تعبت معه في حياتي، ولكن بعد ما حصل على الفلوس تزوج وتركني، في الصيف يأتي علينا في الإجازة ومع هذا يتركني ويذهب إليها وهي ترجع معه بالإمارات.
أرجو أن تنصحوني ماذا أفعل! لا أطيقه أبدا، قلبي مليء بالحقد والقهر عليه.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فيجب على الرجل أن يعدل بين زوجاته في المبيت والمسكن والنفقة من مطعم ومشرب وملبس.

وقد اختلف أهل العلم فيمن له زوجتان فأكثر وأراد السفر ببعضهن.. فذهب الحنفية إلى أنه يستحب له أن يقرع بينهن، فمن خرجت لها القرعة سافر بها، وله أن يختار من يشاء منهن بغير قرعة ولا قضاء لمن لم يخرج بها، ولم يفرقوا -فيما نعلم- بين سفر نقلة وغيره.

قال الحصكفي في الدر المختار: ولا قسم في السفر دفعا للحرج، فله السفر بمن شاء منهن، والقرعة أحب تطييبا لقلوبهن. اهـ.

وقال ابن عابدين في حاشيته: قوله: ولا قسم في السفر...إلخ.. لأنه لا يتيسر إلا بحملهن معه، وفي إلزامه ذلك من الضرر ما لا يخفى، ... ولأنه قد يثق بإحداهما في السفر، وبالأخرى في الحضر والقرار في المنزل لحفظ الأمتعة أو لخوف الفتنة، أو يمنع من السفر إحداهما لكثرة سمنها، فتعين من يخاف صحبتها في السفر للسفر لخروج قرعتها إلزام للضرر الشديد، وهو مندفع بالنافي للحرج. اهـ. وظاهر كلامه أن الأفضل للزوج أن يختار من تصلح للسفر، ويبقي من تصلح للبقاء.

وذهب المالكية إلى أنه يختار منهن من تصلح للسفر لا لميله إليها دون قرعة؛ إلا سفر القربة كحج أو غزو فيقرع على المشهور، ولا قضاء لمن لم يخرج بها.

قال خليل في مختصره (ص111): وإن سافر اختار إلا في الغزو والحج فيقرع، وتؤولت -أي المدونة- بالاختيار مطلقا. اهـ.

وقال عليش في منح الجليل: وإن سافر - أي أراد الزوج - أن يسافر بإحدى زوجتيه - اختار الزوج من تصلح لإطاقتها السفر أو لخفة جسمها أو نحوها لا لميله لها، إلا في الحج والغزو... فيقرع بينهما أو بينهن لعظم المشاحة في سفر القربة "وتؤولت" المدونة "بالاختيار مطلقا" عن التقييد بغير سفر القربة، واختاره ابن القاسم، وشرط القرعة صلاحية كل للسفر. اهـ.

وذهب الشافعية إلى أنه إذا أراد سفرا مباحا -طويلا كان أو قصيرا- لا بد أن يقرع بينهن إلا إذا رضين بأخذ بعضهن فلا قرعة، وإلا كان آثما ويلزمه القضاء لمن تركهن. وأما إذا أقرع فلا قضاء للمخلفات، وهذا في سفر غير النقلة.

أما سفر النقلة، فإنه يحرم عليه أن يستصحب بعضهن فقط ولو بقرعة، كما لا يجوز للمقيم أن يخصص بعضهن بقرعة فيقضي للمتخلفات، وصرح بعضهم كما في تحفة الحبيب بأنه: لو عجز عن استصحاب جميعهن دفعة فينبغي أن يجوز له استصحاب بعضهن أولا بالقرعة، ثم بعد ذلك يرسل لأخذ الباقي أو يأخذهن. انتهى.

ويقضي لهن ما فاتهن وهكذا في سفر غير الإقامة لو أقام إقامة تقطع رخص السفر وساكن المسافر بها لزمه قضاء مدة الإقامة، وإلا فلا، ولا يقضي مدة السير ذهابا وإيابا.وذهب الحنابلة إلى أنه ليس للزوج أن يسافر سفرا طويلا أو قصيرا ببعض زوجاته إلا بقرعة أو برضاهن، فإن فعل فلا قضاء للمتخلفات ،وإلا أثم ولزمه القضاء، وهذا في غير سفر النقلة، أما سفر النقلة فقد فصله تفصيلا شافيا البهوتي في كشاف القناع فقال: وإن أراد من تحته أكثر من امرأة النقلة من بلد إلى بلد بنسائه فأمكنه استصحاب الكل في سفره فعل، أي استصحبهن، ولا يجوز له إفراد إحداهن باستصحابها معه بغير قرعة لأنه ميل، فإن فعل بأن استصحب إحداهن معه بغير قرعة قضى للباقيات جميع زمن سفره وإقامته بها وحدها يسوي بينهن، وإن لم يمكنه استصحاب الكل أو شق عليه استصحابهن وبعث بهن جميعا مع غيره ممن هو محرم لهن جاز له ذلك، ولا يقضي لواحدة منهن تساويهن في انفراده عنهن، وإن انفرد بإحداهن بقرعة واستصحبها معه، فإذا وصل البلد الذي انتقل إليه فأقامت معه قضى للباقيات مدة كونها معه في البلد خاصة لتساكنهما إذن لازمن سيره وحله وترحاله، لأنه لا يسمى سكنا فلا يجب قضاؤه. انتهى.

وهنا لم يلزم القضاء مدة السير، لأنه غير عاص لأخذها معه بالقرعة بخلاف الأول.

والراجح أنه لا يجوز للزوج أن يسافر ببعض زوجاته دون بعض بغير قرعة أو رضا منهن، وإذا فعل ذلك فهو آثم، ولهن المطالبة بحقهن ورفع أمره للحاكم ليلزمه بالعدل بينهن أو بالطلاق، ولهن الصبر والاحتساب وتقديم النصح له بالعدل بينهن.. عسى الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقه لذلك.

وأما زواج الرجل بامرأة ثانية، فمشروع بشرط العدل، قال الله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة [النساء:3]، ولا حق للزوجة الأولى في رفض ذلك ولا الدعاء على زوجها بالهلاك ونحو ذلك، ولو فعلت لكان ذلك من الاعتداء في الدعاء، وهو غير مستجاب عند الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. رواه مسلم.

أما في حالة ظلمه لها؛ فالأولى لها أن تحتسب الأجر عند الله، وإن دعت عليه فلا حرج عليها في ذلك ودعوتها وهي مظلومة الأصل فيها أنها مستجابة، ففي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة