السؤال
هل هناك ما يسمى بلباس الشهرة، والذي يدخل النار من لبسه؟ وما هي مواصفاته؟ وهل هناك ألوان يحرم أو يكره على الرجال لبسها؟
هل هناك ما يسمى بلباس الشهرة، والذي يدخل النار من لبسه؟ وما هي مواصفاته؟ وهل هناك ألوان يحرم أو يكره على الرجال لبسها؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاء النهي عن لباس الشهرة في عدة أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، منها:
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، والنسائي، ورجال إسناده ثقات كما قال الشوكاني في نيل الأوطار.
وعن أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما من عبد لبس ثوب شهرة إلا أعرض الله عنه حتى ينزعه، وإن كان عنده حبيبا. قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: رواه ابن ماجه من حديث أبي ذر بإسناد جيد، دون قوله: وإن كان عنده حبيبا.
وعن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة، ثم يلهب فيه النار. أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وحسنه السيوطي، والألباني. إلى غير ذلك من الأحاديث.
ومعنى الشهرة -كما قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث-: ظهور الشيء في شنعة حتى يشهره الناس. انتهى.
قال الشوكاني في نيل الأوطار: والمراد أن ثوبه يشتهر به بين الناس لمخالفة لونه لألوان ثيابهم، فيرفع الناس إليه أبصارهم، ويختال عليهم بالعجب والتكبر. انتهى.
وقوله: "ثوب مذلة" أي: ثوبا يوجب ذلته يوم القيامة.
إذا: فالأحاديث تدل على تحريم لباس ثوب الشهرة، وليس هذا مختصا بنفس الثياب بل قد يحصل ذلك كما قال الشوكاني لمن يلبس ثوبا يخالف ملبوس الناس من الفقراء، ليراه الناس، فيتعجبوا من لباسه ويعتقدوه.
وإذا كان اللبس لقصد الاشتهار في الناس، فلا فرق بين رفيع الثياب ووضيعها والموافق لملبوس الناس والمخالف، لأن التحريم يدور مع الاشتهار، والمعتبر القصد، وإن لم يطابق الواقع.
وعلى هذا؛ فالواجب على المسلم أن يبتعد عن اللباس الذي يميزه عن غيره من الناس، لأن هذا التميز قد يؤدي به إلى العجب، والتكبر، والخيلاء.
والواجب على المسلم -أيضا- أن يبحث عن اللباس الموافق لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حيث كان الرسول متواضعا في ملبسه بعيدا عن الخيلاء، وقد قال: كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة. أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه، والحاكم. وصححه السيوطي. وقال -عليه الصلاة والسلام-: البذاذة من الإيمان. أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم، وصححه السيوطي.
ومعنى البذاذة: رثاثة الهيئة، أراد بذلك التواضع في اللباس وترك التبجح به.
وأما بالنسبة لسؤالك عن الألوان التي يحرم أو يكره على الرجال لبسها؟
فالأصل أنه يجوز للرجل لبس جميع الألوان إلا ما ورد النهي عنه، فإنه يحرم أو يكره بحسب الحال، فيجوز للرجل أن يلبس الأسود، والأخضر، والأصفر، والأزرق، وما نسج من قطن أو كتان وغير ذلك إلا الحرير، ويستحب لبس الأبيض من الثياب للحديث: البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها أمواتكم. أخرجه أبو داود.
وأما الثوب المعصفر، (المصبوغ بالعصفر)، فقد اختلف العلماء في حكم لبسه، فمنهم من قال بتحريمه، ومنهم من قال بكراهيته، ومنهم من قال بجوازه، وقد جاء النهي عن لبس المعصفر في صحيح مسلم وغيره.
فعن عبد الله بن عمرو قال: رأى رسول الله علي ثوبين معصفرين فقال: إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها. وعن علي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لبس القسي والمعصفر. قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: واختلف العلماء في الثياب المعصفرة وهي المصبوغة بعصفر فأباحها جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك، لكنه قال غيرها أفضل منها.
وفي رواية عنه أنه أجاز لبسها في البيوت وأفنية الدور وكرهه في المحافل والأسواق ونحوها، وقال جماعة من العلماء هو مكروه كراهة تنزيه، وحملوا النهي على هذا، لأنه ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لبس حلة حمراء.
وفى الصحيحين عن بن عمر -رضي الله عنه- قال رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصبغ بالصفرة.
وقال الخطابي: النهي منصرف إلى ما صبغ من الثياب بعد النسج، فأما ما صبغ غزله ثم نسج، فليس بداخل في النهي، وحمل بعض العلماء النهي هنا على المحرم بالحج أو العمرة ليكون موافقا لحديث بن عمر -رضي الله عنه- نهي المحرم أن يلبس ثوبا مسه ورس أو زعفران... إلى آخر كلام النووي رحمه الله.
والحق أن العلماء قد اختلفوا أيضا في لبس الثوب الأحمر اختلافا كبيرا أوصله الحافظ ابن حجر إلى سبعة أقوال.
والراجح -والله أعلم- جواز لبس الأحمر والمعصفر، ولكن الأولى تركه.
والله أعلم.