السؤال
عندما كنت مراهقا كنت أرى صورا خليعة، فنذرت أن أصوم يومين كلما نظرت إلى الصور العارية ... والآن علمت أنه نذر لجاج والأفضل أن آخذ بنذري، وهذا النذر كان قبل 11 سنة، ولا أستطيع الجزم فيه بشيء، والآن حينما أنظر إلى امرأة كاشفة لجسدها في الأخبار ـ وهذا يعتبر من التعري ـ لا أعرف هل يدخل في نذري أم لا؟ ولا أعلم نيتي وقتها، ولا أستطيع إحصاءها.. فلو ثبت وكانت في نيتي أو محسوبة وتجاوزتها فهل أأثم؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النظر إلى النساء المتبرجات في نشرات الأخبار أو غيرها محرم، كما بيناه في الفتوى رقم: 1529.
ومن العجيب أن يتحرى الإنسان في موضوع النذر ويتورع في شأنه، مع تهاونه في أمر النظر المحرم وعدم مبالاته به!
وأما عن النذر الذي نذرته: فهو من قبيل ما يعرف بنذر اللجاج والغضب، وحكمه حكم اليمين، فلا يلزم الوفاء به، بل يخير الناذر بين فعل المنذور وبين كفارة اليمين عند جمهور العلماء، قال ابن قدامة: إذا أخرج النذر مخرج اليمين، بأن يمنع نفسه أو غيره به شيئا، أو يحث به على شيء، مثل أن يقول: إن كلمت زيدا، فلله علي الحج، أو صدقة مالي، أو صوم سنة، فهذا يمين، حكمه أنه مخير بين الوفاء بما حلف عليه، فلا يلزمه شيء، وبين أن يحنث، فيتخير بين فعل المنذور، وبين كفارة يمين، ويسمى نذر اللجاج والغضب، ولا يتعين عليه الوفاء به، وإنما يلزم نذر التبرر، وهذا قول عمر، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة، وحفصة، وزينب بنت أبي سلمة، وبه قال عطاء، وطاوس، وعكرمة، والقاسم والحسن، وجابر بن زيد، والنخعي، وقتادة، وعبد الله بن شريك، والشافعي، والعنبري، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور وابن المنذر، وقال سعيد بن المسيب: لا شيء في الحلف بالحج، وعن الشعبي، والحارث العكلي، وحماد، والحكم: لا شيء في الحلف بصدقة ماله، لأن الكفارة إنما تلزم بالحلف بالله تعالى، لحرمة الاسم، وهذا ما حلف باسم الله، ولا يجب ما سماه، لأنه لم يخرجه مخرج القربة، وإنما التزمه على طريق العقوبة، فلم يلزمه، وقال أبو حنيفة، ومالك: يلزمه الوفاء بنذره، لأنه نذر فيلزمه الوفاء به، كنذر التبرر، وروي نحو ذلك عن الشعبي، ولنا ما روى عمران بن حصين، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين ـ رواه سعيد بن منصور، والجوزجاني، في المترجم، وعن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حلف بالمشي، أو الهدي، أو جعل ماله في سبيل الله، أو في المساكين، أو في رتاج الكعبة، فكفارته كفارة اليمين ـ ولأنه قول من سمينا من الصحابة، ولا مخالف لهم في عصرهم، ولأنه يمين، فيدخل في عموم قوله تعالى: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين {المائدة: 89} ودليل أنه يمين، أنه يسمى بذلك، ويسمى قائله حالفا، وفارق نذر التبرر، لكونه قصد به التقرب إلى الله تعالى والبر، ولم يخرجه مخرج اليمين، وها هنا خرج مخرج اليمين، ولم يقصد به قربة ولا برا، فأشبه اليمين من وجه، والنذر من وجه، فخير بين الوفاء به وبين الكفارة، وعن أحمد رواية ثانية أنه تتعين الكفارة، ولا يجزئه الوفاء بنذره، وهو قول لبعض أصحاب الشافعي، لأنه يمين، والأول أولى، لأنه إنما التزم فعل ما نذره، فلا يلزمه أكثر منه، كنذر التبرر، وفارق اليمين بالله تعالى، لأنه أقسم بالاسم المحترم، فإذا خالف لزمته الكفارة، تعظيما للاسم بخلاف هذا. اهـ.
وعلى هذا القول، فالأمران ـ التكفير أو الوفاء بالنذر ـ سواء، وليس الوفاء بالنذر أفضل -كما ذكرت- وانظر الفتوى رقم: 17762.
وأما عن دخول مشاهدة المذيعات في النذر الذي نذرته: فإن المرجع في الأيمان والنذور حين انعدام النية ـ أو عدم ضبط الحالف لها ـ هو إلى سبب اليمين، جاء في الشرح الكبير للدردير: وخصصت نية الحالف لفظه العام، وقيدت لفظه المطلق... ثم إن عدمت النية أو لم تضبط خصص، وقيد بساط يمينه، وهو السبب الحامل على اليمين، إذ هو مظنة النية فليس هو انتقالا عن النية، بل هو نية ضمنا، مثاله قول ابن القاسم فيمن وجد الزحام على المجزرة فحلف لا يشتري الليلة لحما، فوجد لحما دون زحام أو انفكت الزحمة فاشتراه، لا حنث عليه، وكذا لو سمع طبيبا يقول لحم البقر داء فحلف لا آكل لحما، فلا يحنث بلحم ضأن، لأن السبب الحامل كونه داء، وليس الضأن كذلك، فيخصص لفظه العام بلحم البقر كما يقيده شراؤه في الأول بوقت الزحمة. اهـ.
قال الدسوقي في حاشيته: قوله: أو لم تضبط ـ أي أو لم تعدم النية الصريحة، لكن عدم ضبط الحالف لها. اهـ.
وجاء في دليل الطالب لمرعي الكرمي: يرجع في الأيمان إلى نية الحالف.. فإن لم ينو شيئا رجع إلى سبب اليمين وما هيجها.. فإن عدم النية والسبب رجع إلى التعيين.. فإن عدم النية والسبب والتعيين: رجع إلى ما تناوله الاسم وهو ثلاثة: شرعي، فعرفي، فلغوي، فاليمين المطلقة تنصرف إلى الشرعي وتتناول الصحيح منه... فإن عدم الشرعي فالأيمان مبناها على العرف... فإن عدم العرف رجع إلى اللغة. اهـ باختصار.
وحينئذ، فما دام الباعث على اليمين هو النظر إلى الصور الإباحية الجنسية العارية، فالظاهر أنه لا يدخل في النذر النظر إلى المذيعات في نشرات الأخبار أو نحوها ـ ولو كن متبرجات غير محجبات ـ وأما قولك: لو ثبت وكانت في نيتي أو محسوبة وتجاوزتها، فهل أأثم؟ فإن المسلم إذا عمل بمقتضى ما يجب عليه ظاهرا وكان حقيقة الأمر بخلاف ما عمل به فإنه غير مؤاخذ، ولا إثم عليه، فإن الخطأ مرفوع عن هذ الأمة، قال تعالى: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما {الأحزاب:5}.
قال ابن كثير: فإن الله قد وضع الحرج في الخطأ ورفع إثمه، كما أرشد إليه في قوله آمرا عباده أن يقولوا: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا {البقرة: 286} وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: قد فعلت ـ وفي صحيح البخاري، عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ، فله أجرـ وفي الحديث الآخر: إن الله رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما يكرهون عليه ـ وقال هاهنا: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما ـ أي: وإنما الإثم على من تعمد الباطل، كما قال تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم. اهـ.
والله أعلم.