السؤال
لنفرض أنه يوجد هناك نبي صيني آمن به مليارا صيني، وأراد نشر ديانته في العالم من خلال فتوحات، وعندما تسأله ما الذي يثبت لي أن ديانتك هذه صحيحة يقوم بإعطائي مجلدا كبيرا ويقول لي إن به إعجازا كبيرا وأتحداك أن تأتي بكتاب مثله، وعندما قرأته وجدت به إعجازا علميا كبيرا، فهل يحق لي الإيمان بديانته علما بأنها منطقية إلى أبعد الحدود؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فابتداء نقرر أن المسلم الذي يؤمن بالقرآن وأنه كلام الله، ويؤمن بنبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله... لا يشكل عليه أمر كهذا، لأنه يعلم من القرآن، ومن كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن الرسالات قد ختمت، وأن مدعيها بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم مسرف كذاب، قال الله تعالى: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما {الأحزاب: 40}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا خاتم النبيين. رواه البخاري ومسلم.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: أرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون. رواه مسلم.
فمن ادعى النبوة بعده فهو كافر مكذب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 9545.
كما سبق لنا بيان حكم من يتبع ديانة أخرى غير الإسلام في الفتوى رقم: 105310.
وأما غير المسلم الذي قد يصدق بأمر كهذا الذي ذكره السائل، فحكمه حكم غيره ممن فاته الحق فاتبع الباطل! وكما أن للحق أمارات وبراهين، فكذلك للباطل علامات وأدلة، وذلك لا يعرف بالعدد وكثرة الأتباع، ولذلك نص القرآن في عدة مواضع على أن الكثرة الكاثرة من أهل الأرض حظهم من دينهم هو الضلال والكفر ـ والعياذ بالله ـ كما قال تعالى: وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله {الأنعام: 116}.
وقال سبحانه: وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين {يوسف: 103}.
وقال عز وجل: ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا {الإسراء: 89}.
وقال تبارك وتعالى: والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون {الرعد: 1}.
وقال عز من قائل: إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين {الصافات: 69 ـ72}.
فالحق والباطل لا يميز بينهما بكثرة الأتباع، وإنما يعرف ذلك بالدليل الصحيح والبرهان القائم، ومثال ذلك مما ذكره السائل: ادعاء المتنبئ الكاذب أنه أتى بكتاب معجز يتحدى بالمجيء بمثله! فهذا لم يثبت صدقه ولا صحته عن أحد ممن يدعي النبوة، وإنما هو أشبه بلهو الأطفال الذي يعجب به الحمقى والسفهاء، ثم يصير بعد ذلك أضحوكة يتسامر بها الناس، وأما القرآن الكريم الذي أنزله الله على خاتم أنبيائه ورسله ليكون هو المعجزة الخالدة، ففيه من أنواع الهداية والإعجاز ما لا يزداد على مر الأيام إلا سطوعا ورسوخا وثبوتا، فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولو كان من عند غير الخلاق العليم لتناقض بعضه مع بعض، ومع الواقع أو الماضي أو المستقبل! كما قال تعالى: أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا {النساء: 82}.
ثم إن إعجاز القرآن لا يتوقف على الجانب العلمي الذي لا يدركه إلا العلماء المتخصصون، بل هو معجز في لفظه وأسلوبه: بيانا وفصاحة، بلاغة وجزالة، نظما وتركيبا، ومعجز في معناه وتشريعاته: إحكاما ونظاما، إجمالا وتفصيلا، توافقا وتصديقا، عدلا وإصلاحا، ومعجز في أخباره: صدقا في الماضي، وتحققا في المستقبل، ومعجز في تأثيره وهدايته، فأخرج الله به أمة ضالة جاهلة، مرذولة متناحرة، ضعيفة متهالكة، ليس لها حضارة ولا مدنية، تعيش على هامش الحياة، فأخرجها من الظلمات إلى النور، حتى فتحت الأرض شرقا وغربا، وأحلت الإسلام محل حضارات الأرض، وجمعت بين الفارسي والرومي، والقبطي والحبشي، والتركي والبربري، في نظام واحد، رغم تعدد اللغات، واختلاف الأعراق، وتناقض العادات، وسابق العداوات، وصار أتباعه أئمة يقتدى بهم: علما وحلما، رحمة وعدلا، دعوة وفتحا إلى غير ذلك من أوجه الأعجاز، وراجع الفتويين رقم: 27843، ورقم: 20138.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 134749.
والله أعلم.