الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

كيف يفرق الإنسان العادي بين النبي إذا أتى بمعجزة أو الساحر الذي ادعى النبوة كالأسود العنسي الذي أتى ببعض الخوارق. وهذا الأمر كان قد اختلط على الأقوام الذين أرسل الله إليهم الأنبياء. أرجو الرد ضروري جدا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبداية ننبه السائل الكريم على أن العلم وفقه النفس أمران ضروريان للخلوص التام من الاشتباه الذي قد يحصل بين أمر النبوة ومعجزاتها، وأمر السحر وخوارقه، ولذلك وقع من وقع في الردة بتصديق المتنبئين.

ومن أعظم المؤلفات وأقواها في مبحث النبوة كتاب (النبوات) لشيخ الإسلام ابن تيمية، الذي ألفه لإبراز معتقد أهل السنة والجماعة في الفرق بين النبي والمتنبئ، ومعرفة طرق إثبات النبوة، والتفريق بين أنواع الخوارق، وكذلك للرد على المخالفين في النبوات، من المتكلمين والفلاسفة. والأمر في ذلك كما قال رحمه الله: والفرق بين النبي والساحر أعظم من الفرق بين الليل والنهار. والنبي يأتيه ملَك كريم من عند الله ينبئه الله، والساحر والكاهن إنّما معه شيطان يأمره ويخبره؛ قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِين تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُون}. فلا الخبر كالخبر، ولا الأمر كالأمر، ولا مُخْبِر هذا كمخبر هذا، ولا آمر هذا كآمر هذا؛ كما أنّه ليس هذا مثل هذا. اهـ.

وقد ذكر رحمه الله الفروق بين آيات الأنبياء وبين غيرها من خوارق مخالفيهم، في مواضع من كتابه، ومنها قوله (ص 558 ـ 560): وقد تقدم ذكر بعض الفروق بين آيات الأنبياء وغيرهم. وبينها وبين غيرها من الفروق ما لا يكاد يحصى:

الأول: أن النبي صادق فيما يخبر به عن الكتب لا يكذب قط. ومن خالفه من السحرة والكهان لا بد أن يكذب ...

الثاني: من جهة ما يأمر به هذا ويفعله، ومن جهة ما يأمر به هذا ويفعله؛ فإن الأنبياء لا يأمرون إلا بالعدل وطلب الآخرة وعبادة الله وحده، وأعمالهم البر والتقوى. ومخالفوهم يأمرون بالشرك والظلم، ويعظمون الدنيا، وفي أعمالهم الإثم والعدوان.

الثالث: أن السحر والكهانة ونحوهما أمور معتادة معروفة لأصحابها، ليست خارقة لعادتهم. وآيات الأنبياء لا تكون إلا لهم ولمن اتبعهم.

الرابع: أن الكهانة والسحر يناله الإنسان بتعلمه وسعيه واكتسابه، وهذا مجرب عند الناس. بخلاف النبوة فإنه لا ينالها أحد باكتسابه.

الخامس: أن النبوة لو قدر أنها تنال بالكسب، فإنما تنال بالأعمال الصالحة والصدق والعدل والتوحيد، لا تحصل مع الكذب على من دون الله، فضلا عن أن تحصل مع الكذب على الله. فالطريق الذي تحصل به لو حصلت بالكسب مستلزم للصدق على الله فيما يخبر به.

السادس: أن ما يأتي به الكهان والسحرة لا يخرج عن كونه مقدورا للجن والإنس، وهم مأمورون بطاعة الرسل. وآيات الرسل لا يقدر عليها لا جن ولا إنس، بل هي خارقة لعادة كل من أرسل النبي إليه ...

السابع: أن هذه يمكن أن تعارض بمثلها، وآيات الأنبياء لا يمكن أحدا أن يعارضها بمثلها.

الثامن: أن تلك ليست خارقة لعادات بني آدم، بل كل ضرب منها معتاد لطائفة غير الأنبياء. وأما آيات الأنبياء فليست معتادة لغير الصادقين على الله ولمن صدقهم.

التاسع: أن هذه قد لا يقدر عليها مخلوق، لا الملائكة ولا غيرهم؛ كإنزال القرآن وتكليم موسى. وتلك تقدر عليها الجن والشياطين.

العاشر: أنه إذا كان من الآيات ما يقدر عليه الملائكة؛ فإن الملائكة لا تكذب على الله، ولا تقول لبشر إن الله أرسلك، ولم يرسله. وإنما يفعل ذلك الشياطين. والكرامات معتادة في الصالحين منا، ومن قبلنا، ليست خارقة لعادة الصالحين. وآيات الأنبياء خارقة لعادة الصالحين. وهذه تنال بالصلاح بدعائهم وعبادتهم. ومعجزات الأنبياء لا تنال بذلك. ولو طلبها الناس؛ حتى يأذن الله فيها ..

الحادي عشر: أن النبي قد تقدمه أنبياء، فهو لا يأمر إلا بجنس ما أمرت به الرسل قبله؛ فله نظراء يعتبر بهم. وكذلك الساحر، والكاهن له نظراء يعتبر بهم.

الثاني عشر: أن النبي لا يأمر إلا بمصالح العباد في المعاش والمعاد؛ فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيأمر بالتوحيد والإخلاص والصدق؛ وينهى عن الشرك والكذب والظلم. فالعقول والفطر توافقه؛ كما توافقه الأنبياء قبله؛ فيصدقه صريح المعقول وصحيح المنقول الخارج عما جاء به. اهـ. وتناول هذه الفروق أيضا في مواضع أخرى متفرقة من كتابه، فليرجع إليها السائل إذا شاء: ص 195، 487 ـ 523 ، 606 ، 607 ، 662 ـ 664 ، 1074 ـ 1090.

وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 9055 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني