السؤال
طلبت من الله أن يعطيني شيئا، وإن أعطاني إياه فإنني لا أعصيه بعدة معاصي أفعلها في حياتي، فأكرمني الله وأعطاني، وثبت على عدم معصية الله، علما بأن العهد طوال حياتي، وليس مدة من الزمن، وإن رجعت إلى المعاصي فليفعل الله بي ما يشاء، والآن لا أستطيع أن أثبت على عدم المعصية، فهل هو نذر أم يمين؟ أم ماذا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فالواجب عليك أخي السائل أن تمتنع عن معصية الله تعالى ولو بغير نذر ولا يمين، فالمعاصي عاقبتها وخيمة في الدنيا والآخرة، ولو كانت في نظر فاعلها من الصغائر، فاتق الله تعالى، واصبر عن معصيته، ولا تتجرأ على انتهاك حرماته، فتعرض نفسك للعقوبة والحرمان، ولتحذر أن يصيبك ما أصاب المنافقين الذين قال الله فيهم: ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين * فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون * فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون {التوبة: 75ـ 77}.
قال الشيخ السعدي: فليحذر المؤمن من هذا الوصف الشنيع، أن يعاهد ربه، إن حصل مقصوده الفلاني ليفعلن كذا وكذا ثم لا يفي بذلك، فإنه ربما عاقبه الله بالنفاق كما عاقب هؤلاء. اهـ.
وأما هل ما قلته يمين أم نذر: فإن قول القائل: إن أعطيتني كذا فسأترك المعصية ـ هذا ليس من صيغ اليمين، وأيضا لم تتلفظ بكلمة: نذر ـ ولم تأت بما يشعر بالالتزام كقول: علي أو نحوها، ومثل هذه الصيغة لا يقع بها النذر إلا بالنية، فإذا نويت بقولك: إن أعطيتني كذا فسأترك المعصية ـ النذر، فإنه يكون نذرا، وإلا فليس بنذر، وفي حالة كونه نذرا، فإن هذا يدخل في نذر ترك المعصية، وجمهور أهل العلم على أن هذا النوع من النذر لا ينعقد، لأنه يجب على الإنسان ترك المعصية بأصل الشرع، جاء في الموسوعة الفقهية: نذر الواجب العيني هو نذر ما أوجب الشارع على المكلفين فعله أو تركه عينا بالنص: كصوم رمضان وأداء الصلوات الخمس، وعدم شرب الخمر وعدم الزنا ونحو ذلك، وهذه الواجبات وما شابهها لا ينعقد النذر بها، ولا يصح التزامها بالنذر عند جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية وأكثر الحنابلة سواء علق ذلك على حصول نعمة أو دفع نقمة، أو التزمه الناذر ابتداء من غير شرط يعلق عليه النذر... اهـ.
ويرى بعض العلماء أنه نذر منعقد، فإذا فعل المعصية لزمته كفارة يمين، سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: فضيلة الشيخ: أنا شاب نذرت على نفسي أن أترك المعصية ونذرت سبع مرات، كلما أنذر أعود لتلك المعصية، فأنذر على نفسي تركها، هل علي ذنب، وهل له كفارة؟ فأجاب الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ بقوله:
أولا: أنصح أخانا ألا يجعل الحامل له على ترك المعصية النذر، لأنه يعتاد هذا، حتى لا يدع المحرم إلا بنذر، والله عز وجل يقول في كتابه: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة {النور:53 }يعني: أطيعوا طاعة معروفة بدون يمين ولا حاجة للقسم، كذلك لا حاجة للنذر، اجعل عندك عزيمة قوية لتستطيع أن تدع هذه المعصية بدون نذر، هذا هو الأفضل والأولى، ولكن إذا نذرت ألا تفعل المعصية ثم فعلتها، فعليك أن تستغفر الله وتتوب من هذه المعصية ولا تعود إليها، وعليك أن تكفر عن النذر كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة أي: عتق رقبة، وإطعامهم يكون مما يأكل الناس: من أوسط ما تطعمون أهليكم {المائدة:89} وأوسط ما نطعم اليوم هو الرز، تطعم عشرة أنفار من الفقراء أرزا عشاء أو غداء، وإن شئت وزعه عليهم غير مطبوخ، تعطي كل واحد مثلا حوالي كيلو ومعه شيء من اللحم يأدمه، وبذلك ينحل النذر، ولكني أعود فأكرر: أنه لا ينبغي للإنسان أن تكون طاعته لله مربوطة بالنذر، كلما أراد أن يترك المعصية نذر، بل يجعل معه عزيمة وقوة فيدع المعاصي بدون نذر. اهـ.
والله أعلم.