السؤال
جزاكم الله خيرا على هذا الموقع الرائع. بحكم عملي مهندس برمجيات يطلب مني بعض الطلاب أحيانا مساعدتهم في مشاريع تخرجهم مقابل مال, وقد قرأت أكثر من فتوى على موقعكم هذا، ففهمت ما خلاصته أن الإشراف على الطلاب في مثل هذه الحالة ليقوموا هم بتنفيذ المشروع حلال، وأما العمل نيابة عنهم بشكل كلي، فمحرم؛ لذلك أصبحت شديد الحرص على ألا أباشر أي عمل من هذا النوع إلا بعد اشتراطي شرطين: الأول: أن أقوم بتسجيل شرح فيديو يشرح لهم بالتفصيل الممل كيفية إنجاز المشروع من الألف إلى الياء؛ ليطلعوا عليه أكثر من مرة، ويكتسبوا المهارة المطلوبة لإنجاز المشروع.
والثاني: أن يؤكدوا لي أن الدكتور المشرف عليهم على علم أنهم يطلبون المساعدة من طرف ثالث ـ أقصد من خارج الكلية ـ لمساعدتهم في إتمام الجزئيات التي عجزوا عنها من المشروع, ثم أقوم بإنجاز العمل في حال أكدوا لي, مع شرحه بشكل تفصيلي دقيق، وتسجيل هذا الشرح على شكل مقاطع فيديو؛ حتى يستطيع الطلاب العودة إليها أكثر من مرة لتثبيت الفكرة وترسيخها لديهم ـ كما أسلفت ـ وأحيانا أشعر أن الطلاب يجارون رغبتي، فيؤكدون لي أن الدكتور المشرف عليهم على علم أنهم يطلبون مساعدة من طرف ثالث، ولكنني داخليا أشعر أنهم كاذبون، فهل من الجائز الاستمرار مع شعوري هذا؟ لأنني لا يجب أن أبني على نواياهم، وإنما على ظاهر قولهم، ولو قاموا بتقديم العمل دون مشاهدة الشرح المسجل الذي كان شرطا بيني وبينهم، والذي يغلب على ظني أنه سبب كبير من أسباب إباحة هذا العمل، فهل يعتبر عملي حراما؟ وما حكم ما أنجزته من أعمال قبل علمي بالفتاوى؟ وماذا أصنع إذا كنت قد استفدت من ماله؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن إعداد الواجبات الدراسية ـ كمشاريع التخرج، ونحوها ـ جاهزة للطلاب ليقدموها للجهة التعليمية على أنها من إنجازهم وصنيعهم: فهذا محرم لا يجوز؛ لكونه إعانة للطلاب على الغش، والزور، والتشبع بما لم يعطوا، وإنما الجائز هو: مساعدة الطلاب فيما كان خارجا عن مجال تقييم الطلاب من الأمور الشكلية غير المقصود قيام الطالب بها بنفسه، وكان النظام التعليمي لا يمنع من إعانة الطلبة فيه، قال ابن عثيمين: إن مما يؤسف له أن بعض الطلاب يستأجرون من يعد لهم بحوثا، أو رسائل يحصلون بها على شهادات علمية، أو من يحقق بعض الكتب، فيقول لشخص: حضر لي تراجم هؤلاء، وراجع البحث الفلاني، ثم يقدمه رسالة ينال بها درجة يستوجب بها أن يكون في عداد المعلمين، أو ما أشبه ذلك، فهذا في الحقيقة مخالف لمقصود الجامعة، ومخالف للواقع، وأرى أنه نوع من الخيانة؛ لأنه لا بد أن يكون المقصود من ذلك الشهادة فقط، فإنه لو سئل بعد أيام عن الموضوع الذي حصل على الشهادة فيه لم يجب؛ لهذا أحذر إخواني الذين يحققون الكتب، أو الذين يحضرون رسائل على هذا النحو من العاقبة الوخيمة، وأقول: إنه لا بأس من الاستعانة بالغير، ولكن ليس على وجه أن تكون الرسالة كلها من صنع غيره. اهـ.
وفي فتاوى دار الإفتاء الأردنية: الجهد المبذول في كتابة الأبحاث ينقسم إلى قسمين:
1ـ جهد شكلي يتمثل في الطباعة، والتنسيق، وإعداد الفهارس، وجمع المصادر: فهذا لا حرج في تقديم المساعدة للطالب في إنجازه، سواء كان بأجرة أم بغير أجرة.
2ـ جهد أصلي مقصود لذاته، وهو صياغة المعلومات، واستخلاص النتائج، وترتيب الأفكار، ومناقشة القضايا العالقة: فهذا النوع من الجهد لا يجوز إعداده للطلاب بغرض إيهام المعلم أنه من جهده الذهني، فالأبحاث إحدى وسائل التقييم، كما أن الهدف منها أن يبحث الطالب عن المعلومة من المصادر المعتمدة، ويتعود صياغة هذه المعلومات وترتيبها في البحث لاستخلاص النتائج، فكتابة البحث عنه على هذا الوجه يعود على الطالب بالعلامة التي لا يستحقها، ويساويه أمام المدرس مع الطالب الذي تعب واجتهد وأبدع في بحثه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ـ متفق عليه، إضافة إلى أن الطالب يقدم البحث على أنه جهده الشخصي، وهذا كذب، والكذب من كبائر الذنوب، يقول الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين. اهـ.
وراجع في بيان هذا الفتاوى التالية أرقامها: 277711، 324544، 297322.
وأما قضية الشرح المصور لطريقة إعداد المشروع: فلا يظهر أن لها تأثيرا في حكم المسألة، فلا مشاهدة الطلاب للشرح تبيح إعداد المشاريع الجاهزة لهم، ولا عدم مشاهدتها تحرم مساعدة الطلاب فيما تسوغ إعانتهم فيه.
وأما قبول خبر الطلاب بكون الجزء المطلوب إنجازه من المشروع من المأذون فيه، مع كونهم محل تهمة؛ لتعلق الخبر بمصلحتهم، فالذي يمكن أن يقال هو: إن العبرة بما علمت، أو غلب على ظنك، فإن علمت، أو غلب على ظنك أن ما يطلب منك من المساعدة هو من القسم الممنوع، فلا يحل لك في القيام به، وأما إن شككت، فيكره ذلك، جاء في الشرح الكبير للدردير: وشرط جواز بيع المغشوش، ولو بعرض أن يباع لمن يكسره، أو لا يغش به، بل يتصرف به بوجه جائز، كتحلية، أو تصفية، أو غير ذلك، وكره بيعه لمن لا يؤمن أن يغش به بأن شك في غشه، وفسخ ممن يعلم أنه يغش به، فيجب رده على بائعه. اهـ.
وأما ما يتعلق بما قمت به من إعداد المشاريع التي يحرم إعدادها حال جهلك بالحكم الشرعي: فيرجى ألا يكون عليك فيه إثم ـ إن شاء الله ـ ولا يلزمك التخلص مما اكتسبته عند بعض العلماء، جاء في الاختيارات الفقهية للبعلي: ومن كسب مالا حراما برضاء الدافع، ثم تاب -كثمن الخمر، ومهر البغي، وحلوان الكاهن- فالذي يتخلص من كلام أبي العباس ـ ابن تيمية ـ أن القابض إذا لم يعلم التحريم ثم علم، جاز له أكله، وإن علم التحريم أولا ثم تاب، فإنه يتصدق به. اهـ.
والله أعلم.