السؤال
أخبرني أحد الأشخاص أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل اليمن: الإيمان يمان، والحكمة يمانية. إنما كان المقصود به أهل البيت وليس أهل اليمن، وذلك لأنه ورد في إحدى الروايات لهذا الحديث عبارة: (وأنا من اليمن) أو (وأنا يمان)، فنسب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نفسه إلى المعنيين في الحديث، وأيضا لأن أهل البيت كانوا يسكنون الجهة اليمنى من المسجد النبوي.
وقرأت أيضا لبعض من ينسب هذا الحديث لأهل مكة والمدينة، وأيضا قال لي هذا الشخص: بأنه على مر التاريخ لم يبرز من أهل اليمن في تلك الفترة من يتصفون بالحكمة، وإنما اتصفوا بالجهاد والفتوحات، ولم يأت في التاريخ ما يدل على حكمتهم؟
فهلا شرحتم هذا الحديث تفصيلا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فما ذكره لك ذلك الشخص غير صحيح، ولا نعلم أحدا من أهل العلم قاله، والحديث الوارد في فضل أهل اليمن، واضح الدلالة في أن المراد بهم أهل اليمن حقيقة، ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاكم أهل اليمن، هم ألين قلوبا وأرق أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، رأس الكفر قبل المشرق.
وفي لفظ: جاء أهل اليمن ...
وكان أبو هريرة راوي الحديث ينزل هذا الحديث على أهل اليمن، وليس على النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الكرام، ففي مسند أحمد عن همام بن منبه، قال: قدمت المدينة، فرأيت حلقة عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، فسألت، فقيل لي: أبو هريرة. قال: فسلمت، فقال لي: ممن أنت؟ قلت: من أهل اليمن. فقال: سمعت حبي، أو قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: الإيمان يمان، والحكمة يمانية، هم أرق قلوبا ...اهــ.
وفي معجم الطبراني وصحيح ابن حبان عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاء الفتح ونصر الله، وجاء أهل اليمن فقال رجل: يا رسول الله وما أهل اليمن؟ قال: قوم رقيقة قلوبهم، لينة قلوبهم، الإيمان يمان، والفقه يمان.
فأنت ترى أنه حين سئل عن أهل اليمن لم يقل أنا وأهل بيتي، وإنما قال: قوم رقيقة .. إلخ، وأخبر عن مجيئهم.
وأما رواية: "أنا يمان" فقد جاءت في حديث عمرو بن عبسة عند أحمد في المسند عن رجل، عن عمرو بن عبسة ... وفيه : خيار الرجال رجال أهل اليمن، والإيمان يمان، وأنا يمان ففي إسناده راو مجهول، ولو فرض أنه صح قوله: "وأنا يمان" فهذا مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الأشعريين -وهم من أهل اليمن- فهم مني، وأنا منهم والمعنى أنني وهم على طريقة واحدة.
قال الحافظ: والمراد بقوله: هم مني، المبالغة في اتصال طريقهما، واتفاقهما على الطاعة. اهــ.
والقول بأنه على مر التاريخ لم يبرز من أهل اليمن تلك الفترة من يتصفون بالحكمة، لا شك أن هذا كذب، ولا يقوله إلا جاهل بالتاريخ، فأين الحكيم أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- الذي هو سادس قضاة الصحابة -رضي الله عنهم-
قال مسروق: كان القضاء في الصحابة إلى ستة: عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي، وزيد، وأبي موسى. اهـ.
وولاه عمر البصرة.
والله تعالى أعلم.