السؤال
فتحنا مشروعا باسم معين، يتكون من مؤسسة وموقع، ولم ينطلق، لكنه جاهز للانطلاق، ولدينا إجازة رسمية، ومشروع المؤسسة معروف، ولها رسالة وأهداف واضحة، فجاء شخص ـ بقصد أو بغير قصد ـ وفتح بنفس الاسم مشروعا على الإنترنت، ومعلوم أن هذا يضر بمشروعنا، والآن عندنا مشكلة، لأن الاسم واحد ونوع المشروع واحد، والعمل في مجال المشروع واحد، فطلبنا منهم غلق المشروع، فقالوا إنهم يريدون تعويضا، فما هو الحكم الشرعي في هذا النزاع؟ ولمن يرجع الحق في الإسلام؟ وهل علينا تعويض مادي لهم؟ وعلى أي أساس نعوض؟ ومن له الحق في هذا الاسم وبقاء العمل عليه، ونحن من حجزنا الاسم أولا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه القضية لها تعلق بما يعرف بالاسم التجاري، وقد صدرت قرارات من المجامع الفقهية وأبحاث للفقهاء المعاصرين في مشروعية ملكية الاسم التجاري، والمعاوضة عليه، وما إلى ذلك، فانظر الفتوى رقم: 47621.
لكن تقرير ملكية الاسم التجاري والمعاوضة عليه من الجهة الشرعية لا يقتضي أن كل من سمى شيئا باسم ما فله احتكار هذا الاسم، ومنع غيره من التسمية به؛ وإنما الذي يمكن قوله بإجمال أن ثبوت الاسم التجاري قانونيا بتسجيله في الجهات الرسمية مقتض لثبوت ملكيته من الجهة الشرعية، وعدم جواز الاعتداء عليه، قال الدكتور تقي الدين العثماني: لما ظهر أن بعض الناس شرعوا يستعملون أسماء المنتجين الذين لهم شهرة حسنة فيما بين المستهلكين لتروج بضاعتهم بهذا الاسم، وخيف التباس الأمر على عامة الناس، ظهرت قوانين من قبل الحكومات لتسجيل الأسماء التجارية والعلامات التجارية عند الحكومة، ومنع التجار من استعمال الأسماء والعلامات التي سجلها غيرهم، فصارت هذه الأسماء والعلامات بعد التسجيل لها قيمة مادية في عرف التجار، وظاهر أن الاسم أو العلامة ليس عينا ماديا، وإنما هو عبارة عن حق استعمال هذا الاسم أو العلامة، وهذا الحق ثبت لصاحبه أصالة بحكم الأسبقية والتسجيل الحكومي، وهو حق ثابت في الحال، وليس متوقعا في المستقبل، وهو حق يقبل الانتقال إلى آخر، ولكنه ليس حقا ثابتا في عين قائمة فعلى ضوء القواعد التي استخلصناها من كلام الفقهاء، ينبغي أن يجوز الاعتياض عنه على طريق التنازل، دون البيع، لأنه ليس حقا ثابتا، أو منفعة مستقرة في عين قائمة، ثم قال: ويبدو أن حق الاسم التجاري والعلامات التجارية، وإن كان في الأصل حقا مجردا غير ثابت في عين قائمة، ولكنه بعد التسجيل الحكومي الذي يتطلب جهدا كبيرا، وبذل أمور جمة والذي تحصل له بعد ذلك صفة قانونية تمثلها شهادات مكتوبة بيد الحامل، وفي دفاتر الحكومة، أشبه الحق المستقر في العين، والتحق في عرف التجار بالأعيان، فينبغي أن يجوز الاعتياض عنه على وجه البيع. اهـ. باختصار من كتابه: بحوث في قضايا فقهية معاصرة.
فالخلاصة: أن مجرد تسمية مشروع باسم ما لا يجعل لصاحبه حقا يمنع غيره من التسمية بهذا الاسم، لكن إن أصبح الاسم اسما تجاريا، وذلك بتسجيله في الجهات الرسمية وغير ذلك من الإجراءات المتبعة، فله الحق في منع كل ما يعد اعتداء على الاسم التجاري، وأما قبل الحصول على هذا الحق فإذا طلبتم من ذلك الشخص الذي سمى مشروعه بنفس اسم مشروعكم ترك التسمية بهذا الاسم وأبى إلا بشيء تدفعونه إليه فقد لا يكون في ذلك بأس, يقول خليل بن إسحاق المالكي: وجاز سؤال البعض ليكف عن الزيادة ـ وعقب على هذا الدرير في شرحه قائلا: وجاز لحاضر سوم سلعة يريد أن يشتريها سؤال البعض من الحاضرين ليكف عن الزيادة فيها ليشتريها السائل برخص ولو بعوض ككف عن الزيادة ولك درهم، ويلزمه العوض اشتراها أم لا. انتهى.
وعقب الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير قائلا: كان ابن هلال يستشكل ذلك ويقول: إنه من أكل أموال الناس بالباطل لا سيما إذا كان ربها لم يبعه، وقال العبدوسي: لا إشكال، لأنه عوض على تركه، وقد ترك. انتهى.
فهذا هو الجواب المجمل الذي يظهر لنا، وأما الفصل والبت في مثل هذه القضية من قضايا المنازعات، والخصومات إنما هو من شأن القضاء الشرعي، وليس من اختصاص المفتين، والفتوى لا تكفي أصلا في قضايا الخصومات، ولا ترفع النزاع، فضلا عن أن الحكم في أي قضية نزاع يفتقر إلى السماع من طرفي القضية، ولا يصح البتة الحكم بناء على قول طرف واحد، فالذي ينبغي هو الرجوع إلى القضاء الشرعي أو التحكيم الشرعي للبت والفصل في مثل هذا الموضوع، وقد ذكرنا ضمن التعريف بمنهجية الفتوى في موقعنا: الاعتذار للسائل، وإحالته للقضاء الشرعي في مسائل الخصومات، والمناكرات.
والله أعلم.