السؤال
ما حكم المسلمة التي تصلى بإسدال واسع، لا يشف، طويل للقدمين (بلا فتحة) يغطي كل جسمها ما عدا الوجه والكفين، وتصوم، وتتصدق، وتحب الخير لكل الناس، لكنها لا تلبس الحجاب أصلا، أو استبدلت الحجاب الصحيح (بشروطه التي حددها العلماء) بحجاب الموضة المنتشر هذه الأيام، وتقول (أنا لا أحب الحجاب!) وذلك لأحد الأسباب التالية:
1- تعلق قلبها بالمذيعات، والممثلات، والمطربات، واللاعبات، وملكات الجمال، وفتيات الإعلانات، وعارضات الأزياء (المسلمات منهن، وغير المسلمات).
2- افتتانها بالحضارة الغربية وتقدمها في كل شيء، وتخلف المسلمين في كل شيء.
3- اعتقادها أن الحجاب الصحيح: لا يتناسب مع مكانتها العلمية، أو الاجتماعية المرموقة!
4- اعتقادها أن الحجاب الصحيح: يمنعها من الاستمتاع بشبابها وجمالها وأنوثتها، واتباعها لصيحات الموضة كل عام، وتأجيل هذه الخطوة: إلى أن تبلغ الستين من عمرها؛ لتكون قد استمتعت بكامل فترة شبابها!
5- اعتقادها أن الحجاب الصحيح: يجعلها أسيرة لأفكار مجتمعية بالية، بينما هي من أنصار المساواة بين المرأة والرجل!
6- اعتقادها أنه يجب على المسلمين أن يتقدموا في كل شيء، ثم تأتى بعد ذلك خطوة التزامها بالحجاب الصحيح!
7- اعتقادها أنها ما دامت لا تنوي فتنة الشباب: فلن يحاسبها الله على ذنب التبرج (عدم لبس الحجاب الصحيح)؛ لأن الأعمال بالنيات!
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المرأة -هداها الله- قد خلطت عملا صالحا وآخر سيئا، نسأل الله عز وجل أن يتوب عليها. فإنها بحرصها على الصلاة في ثوب ساتر، قد فعلت ما أمرها به ربها سبحانه وتعالى في قوله عز وجل: وأقيموا الصلاة{البقرة:43}، ولكنها أساءت حين لم تلتزم الحجاب.
ولا ندري إن كانت المبررات المذكورة من دعواها هي أم لا. وعلى كل تقدير فهي من الدعاوى الباطلة، كالقول بأن الحجاب لا يتناسب مع مكانتها العلمية، أو الاجتماعية المرموقة، أو أنه يمنعها من الاستمتاع بشبابها وجمالها وأنوثتها... إلى آخر تلك الترهات والأقوال الباطلة، وفي الحجاب حقيقة الجمال، وخير الدنيا والآخرة، وقد أحسن الشاعر علي الجارم حين قال:
يا ابنتي إن أردت آية حسن * وجمالا يزين جسما وعقلا
فانبذي عادة التبرج نبذا * فجمال النفوس أسمى وأغلى
يصنع الصانعون وردا ولكن * وردة الروض لا تضارع شكلا.
ونرجو لمزيد الفائدة، أن تراجع الفتوى رقم: 18119، والفتوى رقم: 128489.
والذي أمر بالصلاة، هو الذي أمر بالحجاب، وكما أن الصلاة فريضة، فكذلك الحجاب فريضة، وقد دلت على فرضيته نصوص الكتاب والسنة، كما بيناه في الفتوى رقم: 18570. ثم إنه ينبغي التنبه إلى أن من أهم ثمرات الصلاة أنها تحول دون وقوع صاحبها في المعاصي والمنكرات، كما في قوله سبحانه: اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون {العنكبوت:45}. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: بل "الصلاة نفسها" إذا فعلها كما أمر، فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ كما روي عن ابن مسعود وابن عباس: إن في الصلاة منتهى ومزدجرا عن معاصي الله، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا". اهـ.
وأثر ابن مسعود هذا، أورده الإمام أحمد في كتاب الزهد، وصححه العراقي في تخريجه لأحاديث إحياء علوم الدين.
وأما القول بعدم المحاسبة على التبرج إلا إذا قصدت المرأة فتنة الشباب، فنوع من الكذب، والاستدلال بحديث: إنما الأعمال بالنيات. في هذا المقام، استدلال باطل، والذي قال هذا الحديث هو الذي قال: صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات، مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- فالمرأة بمجرد خروجها متبرجة، فاتنة للشباب قصدت ذلك أم لم تقصده.
والقول بأنه يجب على المسلمين أن يتقدموا في كل شيء، ثم تأتى بعد ذلك خطوة الالتزام بالحجاب الصحيح، اعتقاد باطل، وهو من العجب العجاب، فأين هذا الشرط في كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وهذا التبرج والسفور والبعد عن دين الله عز وجل، هو من أعظم أسرار تخلف الأمة، فالأمة تعز وتسمو بالإيمان وطاعة الرحمن، قال تعالى: فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا {طه124:123}، وقال سبحانه: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين {آل عمران:139}. وروى أحمد وأبو داود عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم.
والقول بأن الحجاب الصحيح يجعل المرأة أسيرة لأفكار مجتمعية بالية، بينما هي من أنصار المساواة بين المرأة والرجل، فهذا الاعتقاد يجعل صاحبته في دائرة الخطر الأعظم، وقد يسوقها إلى دائرة الكفر إن لم تتدارك نفسها، ويتغمدها الله برحمته؛ لأن هذا الكلام من دعاوى الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، والسائرين في ركاب المغضوب عليهم والضالين، والمفارقين سبيل الذين أنعم الله عليهم، وهي في صلاتها تقرأ الفاتحة وتقول فيها: اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين {الفاتحة:7}، وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم. قلنا: يا رسول الله، آليهود والنصارى؟ قال: فمن.
بقي أن نتكلم عما ذكر من التعلق بأصناف من البشر ممن قد لا يكون لهن شيء من الدين أو الخلق، فهنا نذكرها بالحديث المتفق عليه عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحب قوما ولما يلحق بهم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب.
وفي الختام نوصي من علم منها هذا الحال، أن يبذل لها النصح برفق ولين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة " رواه مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه، وينبغي الصبر عليها، واحتساب الأجر عند الله عز وجل، فمن هداها الله على يديه، فاز فوزا عظيما، روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي -رضي الله عنه- حين بعثه إلى خيبر:" فوالله، لأن يهدى الله بك رجلا واحدا، خير لك من أن يكون لك حمر النعم".
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وأخذ بالنواصي إلى البر والتقوى.
والله أعلم.