سبب كون الخطاب القرآني في الأغلب للذكور دون الإناث

0 213

السؤال

لماذا وجه الله كلامه في القرآن للرجال في أغلب الأحيان وليس للنساء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان المراد ذكر الرجال من حيث اللفظ لا من حيث المعنى، فهذا صحيح، فالغالب هو استعمال لفظ المذكر صريحا، أو ضميرا، أو إشارة، حتى إنه ليستعمل اللفظ الخاص بالمذكر مع المؤنث، دون العكس، كما في قوله تعالى في حق مريم: وكانت من القانتين [التحريم: 12] وقوله: واركعي مع الراكعين [آل عمران: 43].

قال أبو حيان في البحر المحيط: وجاء {مع الراكعين} دون الراكعات؛ لأن هذا الجمع أعم، إذ يشمل الرجال والنساء على سبيل التغليب. اهـ.
وكذلك قوله في حق بلقيس: إنها كانت من قوم كافرين [النمل: 43].
وقوله في حق امرأة العزيز: واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين [يوسف: 29].
وقوله في حق امرأة لوط: فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين [الأعراف: 83].

قال البيضاوي في أنوار التنزيل: {كانت من الغابرين} من الذين بقوا في ديارهم فهلكوا، والتذكير لتغليب الذكور. اهـ.
وسر اختيار التذكير أنه: أخف على اللسان، وأشد تمكنا، مع كونه هو الأصل، كما هو الحال بالنسبة للمفرد مع الجمع، والنكرة مع المعرفة، فالمفرد والنكرة هما الأصل، والأمكن، والأخف على اللسان.

قال سيبويه في الكتاب: اعلم أن النكرة أخف عليهم من المعرفة، وهي أشد تمكنا؛ لأن النكرة أول، ثم يدخل عليها ما تعرف به ... واعلم أن الواحد أشد تمكنا من الجميع، لأن الواحد الأول ... واعلم أن المذكر أخف عليهم من المؤنث؛ لأن المذكر أول، وهو أشد تمكنا، وإنما يخرج التأنيث من التذكير. ألا ترى أن " الشيء" يقع على كل ما أخبر عنه من قبل أن يعلم أذكر هو أو أنثى، والشيء ذكر. اهـ.
وقال الرازي في مفاتيح الغيب: سبب التغليب، أن الذكورة أصل، والتأنيث فرع في اللفظ وفي المعنى، أما في اللفظ فلأنك تقول: قائم. ثم تريد التأنيث فتقول: قائمة. فاللفظ الدال على المذكر هو الأصل، والدال على المؤنث فرع عليه. وأما في المعنى فلأن الكمال للذكور، والنقصان للإناث، فلهذا السبب متى اجتمع التذكير والتأنيث، كان جانب التذكير مغلبا. اهـ.
ولهذا، لا يختلف أهل اللسان العربي في تغليب الذكور على الإناث في اللفظ.

قال الشنقيطي في أضواء البيان: أجمع أهل اللسان العربي على تغليب الذكور على الإناث، في الجموع ونحوها. اهـ.
وأما من حيث المعنى، فالخطاب وإن كان بلفظ المذكر، إلا إنه يتناول الإناث من حيث الحكم، والأصل هو التسوية بين المرأة والرجل في التكاليف الشريعة، وإنما يستثنى من ذلك ما خصه الدليل، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما النساء شقائق الرجال. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد، وحسنه الألباني. وراجعي في ذلك الفتويين: 278251، 292819.
وهنا ننبه على أن أسلوب القرآن في هذه المسألة قد تنوع، فمن آيات القرآن ما يجمع بين ذكر الرجال والنساء، وهذا كثير، كقوله تعالى: إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما {الأحزاب: 35}. وقوله: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض [التوبة: 71].
وقوله: وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم.[التوبة: 72].
وقوله: ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما. [الفتح: 5].
وقوله: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات. [الحديد: 12].
وقوله: إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم. [الحديد: 18].
وقوله: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا. [الأحزاب: 58].
وقوله: إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق. [البروج: 10].
وقوله: لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين. [النور: 12].
وقوله: واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات [محمد: 19].
وقوله: رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات. [نوح: 28].
ومنه ما يخص النساء دون الرجال، كقوله تعالى:يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم.[الممتحنة: 12]. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 342874، 64546.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات