الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم أحدا من أهل العلم المعتبرين أطلق مثل هذا الإطلاق في الإعانة على الكفر، بأنه كفر! وإنما ذلك يكون في الرضا بالكفر، ومحبته، واستحسانه، وإرادة نشره، ونحو ذلك من أعمال القلوب.
قال الزبيدي في شرح الإحياء: ومن أراد من خلق الله أن يكفروا بالله، فهو لا محالة كافر، وعلى هذا يخرج قوله تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}، ثم إنه من سب أحدا منهم على معنى ما يجد له من العداوة والبغضاء، قيل له: أخطأت، وأثمت، من غير تكفير، وإن كان إنما فعل ذلك ليسمع سب الله، وسب رسوله، فهو كافر بالإجماع. اهـ.
أما مجرد الإعانة بالجوارح، دون محبة الكفر، والرضا به، أو استحسانه، وإرادة نشره، فهي وإن كانت كبيرة شنيعة، إلا إنها ليست كفرا مخرجا من الملة، وذلك كمن يعمل في بناء معبد، أو كنيسة، أو يبيع الصلبان، وشعارات الكفر، أو كتبا فيها ترويج لعقيدة كفرية، ونحو ذلك؛ رغبة في كسب المال، دون محبة الكفر، والرضا به.
قال ابن حجر الهيتمي في (الزواجر عن اقتراف الكبائر): الكبيرة الثانية والثالثة والستون: الرضا بكبيرة من الكبائر، أو الإعانة عليها بأي نوع كان. وذكري لهذين ظاهر معلوم من كلامهم فيما يأتي في بحث ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. اهـ.
وقال الجصاص في (أحكام القرآن) عند قوله تعالى: وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم [النساء:140].
قال: قوله: {إنكم إذا مثلهم} قد قيل فيه وجهان: أحدهما: في العصيان، وإن لم تبلغ معصيتهم منزلة الكفر.
والثاني: إنكم مثلهم في الرضا بحالهم في ظاهر أمركم، والرضا بالكفر والاستهزاء بآيات الله تعالى كفر. ولكن من قعد معهم ساخطا لتلك الحال منهم، لم يكفر، وإن كان غير موسع عليه في القعود معهم. اهـ.
وقال البيضاوي في تفسيره: {إنكم إذا مثلهم} في: الاثم؛ لأنكم قادرون على الإعراض عنهم، والإنكار عليهم. أو: الكفر إن رضيتم بذلك. أو: لأن الذين يقاعدون الخائضين في القرآن من الأحبار كانوا منافقين، ويدل عليه: {إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا} يعني القاعدين، والمقعود معهم. اهـ.
وقال الشهاب الخفاجي في حاشيته علي تفسير البيضاوي: قوله: (أو الكفر .. الخ) لأن الرضا بالكفر، كفر.
وفي الكشف: قال مشايخ ما وراء النهر: الرضا بالكفر مع استقباحه ليس بكفر، وإنما يكون كفرا مع استحسانه، قال تعالى حكاية عن موسى صلى الله عليه وسلم: {واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا} [يونس: 88]، قصد زيادة عذابهم. وعلى تقدير كونهم منافقين، فهم كفرة مثلهم في الحقيقة، فلا يحتاج إلى تأويل، ويؤيده قوله بعده {أن الله جامع المنافقين} .. ولذا لم يعطف؛ لأنه مبين لما قبله. اهـ.
وراجع للأهمية الفتاوى التالية أرقامها: 268657، 191389، 156009، 176653، 131228، 350152 ، 219217.
وهنا ننبه على ضرورة التدقيق، والحذر من المبالغة في الحكم بحرمة الشيء لكونه من الإعانة على الكفر، أو المعاصي!
ومن هذه المبالغات المردودة: المسألة التي أشار إليها السائل، وهي الشراء من نصراني، مع العلم بأنه يعين ببعض ماله في بناء الكنائس! فإن معاملة غير المسلمين ببيع المباحات وشرائها، جائزة باتفاق أهل العلم، وقد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود والمشركين في ذلك، ونص جمهور الفقهاء على جوازه، حتى مع الكفار الحربيين، وراجع في ذلك الفتويين: 254137، 238228.
وراجع في أقسام الإعانة على الإثم والعدوان، وحكم كل قسم، الفتوى رقم: 312091.
والله أعلم.