السؤال
أنا شاب أعيش في بلد أجنبي، ولدي صديق وقع في ضائقة مالية كبيرة، وأراد اقتراض المال من شخص يقرض المال بالربا عبر أخذ شيكات بنكية مؤجلة. وطلب صديقي أن أعطيه شيكات باسمي حتى يستطيع الاقتراض؛ لأنه لا يملك شيكات. وأخبرت المقرض أني لا أكفل صديقي إن لم يسدد، ولا علاقة لي؛ لأني لا أملك المال، وهدفي هو فقط مساعدته. وبعد أن حصل صديقي على المال هرب خارج البلاد، وأصبح المقرض يلاحقني، رغم علمه المسبق أني لم أكفل ذاك الشخص، ولا قدرة لي على السداد، واضطررت لترك المدينة للهروب من المقرض.
فهل أنا ملزم بالسداد لخوفي من الحساب يوم القيامة، وأشعر بندم كبير لإعانة شخص على معصية الله.
وشكرا لكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يتجاوز عنك، والإعانة على الاقتراض بالربا بكتابة شيكات أو غيرها محرم شرعا؛ لأنه إعانة على المعصية.
ومن الأمور المقررة في الشرع، أن الإعانة على معصية الله محرمة؛ لقوله تعالى: ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب {المائدة:2}.
قال ابن تيمية: إذا أعان الرجل على معصية الله كان آثما؛ لأنه أعان على الإثم والعدوان، ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه، وبائعها ومشتريها وساقيها وشاربها وآكل ثمنها، وأكثر هؤلاء كالعاصر والحامل والساقي، إنما هم يعاونون على شربها، ولهذا ينهى عن بيع السلاح لمن يقاتل به قتالا محرما: كقتال المسلمين، والقتال في الفتنة. اهـ.
وأما كتابة الشيكات فهي من أنواع توثقة الدين.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: الأوراق التجارية (الشيكات - السندات لأمر - سندات السحب) من أنواع التوثيق المشروع للدين بالكتابة.اهـ.
فكتابتك للشيكات يقتضي التزامك بوفاء الدين للمقرض، وتحمل ما تتضمنه بمقتضى القانون، لكن ما دمت صرحت للمقرض عند تحرير تلك الشيكات أنك غير ضامن للدين وقبل ذلك، فلا يلزمك حينئذ شرعا قضاء أصل الدين عن صاحبك؛ لعدم حصول الضمان أصلا، وتكون الكتابة حينئذ صورية فقط، ولست ضامنا للدين.
وننبه هنا على أن الواجب على المقترض سداد أصل الحق، وأما الزيادة الربوية فليس عليه سدادها -بل لا يجوز- لأنها ربا محرم، لا يستحقه المقرض أصلا.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: قد نهى الله تعالى عن الربا، وتوعد متعاطيه بالوعيد الشديد، ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه)، وعلى من أخذ هذا القرض أن يعطي صاحب الحق حقه دون زيادة؛ لئلا يكون معينا له على أكل الربا، ومشاركا له في الإثم، وأن ينصح صاحب الحق بأن يتوب إلى الله عن أكل الربا، وأن لا يعود لمثل هذا العمل السيئ، وأن يقبل رأس ماله دون زيادة، وأن يتقي الله ربه، فلا يرتكب ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}، {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة}.اهـ.
والله أعلم.