السؤال
سؤالي حول مسألة الظفر بالحق، ولا بد أن أشرح حالتي حتى ينظر فيها: أنا موظف في شركة إنشاءات خاصة، قد أقر مديري السابق قبل عامين زيادة راتبي بمبلغ 200؛ لكفاءتي في عملي، على أن يعمل بها ابتداء من شهر 1 عام 2015، ولكن بسبب استقالته تأخر تقديم زيادتي؛ حتى عين مدير آخر، والذي قام بدوره بإقرار الزيادة التي قدمها مديري السابق، مع زيادتها إلى مبلغ 400؛ لما رآه مني من كفاءة، وقام بتقديم الزيادة في شهر 6 عام 2015 على أن يعمل بها من شهر 1 عام 2015؛ تعويضا عما فاتني من الزيادة، ولكن الأمر أجل من قبل الموارد البشرية لتأخر تقديم الزيادة، رغم أن كثيرا من زملائي ومن هم أقل خبرة مني قد أخذوا زياداتهم عندما قدمت لهم قبل شهر 6 عام 2015، وقد قمت بالمطالبة مرارا وتكرارا، ولم أحظ إلا بالوعود فقط.
ومع مرور الوقت في شهر 8 عام 2015 عرض علي منصب إداري تحت إدارة مدير آخر، وبوعد بإعطائي الزيادة التي أريدها، فطالبت عندها بمبلغ وصل في النهاية إلى 800، بالإضافة إلى 1000 بدلات، وتم الوعد بالقبول، لكن إلى يومنا هذا شهر4 عام 2017 لم يتحقق مطلبي؛ رغم استمرار مطالبتي بحقوقي من مديري الأخير على وعد بتحقيقها، ولكن لأسباب لا تمت لي بصلة يماطل هذا المدير في المطالبة بزيادتي، والآن قمت بحساب كل حقوقي المالية التي تمت المماطلة في أدائها من قبل مدرائي السابقين والحاضرين على النحو الآتي:
1ـ مبلغ الزيادة التي وافق عليها مديري السابق قبل تولي مهام المنصب الإداري الجديد مبلغ ـ400 ـ مضروبا في 8 أشهر من شهر 1 إلى شهر 8 عام 2015.
2ـ مبلغ الزيادة التي وافق عليها مديري الأخير بعد تولي المنصب الإداري 800 مضروبة في 10 أشهر من شهر 9 عام 2016 إلى شهر 4 عام 2017 بالإضافة إلى بدل 2000، ومجموع ما فوق حتى شهر 4 عام 2017 هو 18000، وسأقوم بالمطالبة بها بعد الزيادة ـ 800 ـ إذا أعطيت لي، والوعد قيد المناقشة؛ لأني أخاف إذا قمت بالمطالبة بها الآن قبل إقرار زيادة 800 أن يجحف بحقي في هذه الزيادة، فإذا لم يعترف بحقوقي، فهل يجوز لي أن أظفر بحقي من غير علم الشركة من خلال صفقة أبرمها، على أن أسترد حقوقي بأخذ بعض مستحقات الشركة المالية مقابل هذه الصفقة، وأخفي الدلائل التي قد تطالب بها الشركة تعويضا عن حقوقي من غير علمها؟
ملاحظه: الشركة كذلك متأخرة في راتبي مدة 4 أشهر، ولا تدفع مستحقات نهاية الخدمة لموظفيها لمدة قد تصل إلى عامين، ولا أعلم متى ستدفع، ومتى سيقر لي بالزيادة، فالمبلغ أعلاه هو حقوق الزيادة فقط حتى شهر 4 عام 2017 من غير الرواتب المتأخرة، ومستحقات نهاية الخدمة.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الزيادات التي يوعد بها الموظف، إن كان لم ينص في العقد على استحقاقه لها، فهي لا تعدو كونها وعدا من الشركة للموظفين؛ وحينئذ تأخذ حكم الوعد، من حيث وجوب الوفاء بها من عدمه.
والذي قررناه في جملة من فتاونا: أن الأصل هو استحباب الوفاء بالوعد، وعدم لزومه، إلا إن دخل الموعود بسبب الوعد في شيء يناله ضرر بالتراجع عن الوعد، فإنه يجب الوفاء به حينئذ، كما في الفتاوى التالية أرقامها: 193433، 136437، 109153، 62371.
وعليه؛ فالزيادة إن كانت مجرد وعد، ولم يرتبط بها زيادة إضافية في العمل، ولم يترتب عليها بذل مزيد من الجهد ـ الذي لم يكن يلزم بمقتضى العقد ـ ونحو ذلك: فلا يجب على الشركة الوفاء للموظف بها، وللمسؤول أن يفاوت بين الموظفين في الزيادات؛ لأنها هبة وتبرع محض، فللشركة التصرف فيها كيفما تشاء.
وأما إن كان الوعد بالزيادة في الراتب مرتبطة بزيادة في عمل الموظف، وكلفة إضافية في الأداء؛ فحينئذ يجب على الشركة الوفاء بها، وللموظف الحق فيها، وله المطالبة بها، قال الدكتور يوسف القرضاوي: والذي أراه أن الخلاف المنقول في الوعد، ولزوم الوفاء به عند المالكية، وغيرهم قد يقبل فيما كان من باب البر، والمعروف، والإرفاق، على معنى أن من وعد إنسانا بصلة، أو خدمة يقدمها له قد يجري فيه الخلاف السابق؛ لأن أصله تبرع محض، وهذا ما لم يدخل بسبب الوعد في ارتباط مالي، فإنه يشبه أن يكون تعاقدا ضمنيا؛ ومن هذا: ما تعد به الوزارات والمؤسسات العاملين فيها من مكافآت، وحوافز لمن يقوم بجهد معين كعمل إضافي، أو خدمة معينة، أو تحسين لمستوى العمل، أو نحو ذلك، فيجب أن توفي به. اهـ باختصار من مجلة مجمع الفقه الإسلامي. وراجع الفتوى رقم: 76695.
وأما مسألة الظفر: سوى كونها محل خلاف، وليست مسألة إجماعية، فإن محلها لدى من يقول بها إنما يكون لمن أخذ حقه ظلما، ولا يستطيع الوصول إليه إلا بذلك، فلا يسوغ للموظف اللجوء إلى أخذ الزيادات بالحيلة، إلا إن ثبت أن الزيادة حق له ومنعته الشركة إياها، ولم يكن له سبيل للحصول عليها إلا بالحيلة.
وبعد هذا البيان العام نقول: إن مثل هذه القضية التي سألت تعد قضية نزاع، وخصومة بينك وبين جهة عملك، والفصل في قضايا المنازعات والخصومات إنما هو من شأن القضاء، وتولي الشخص الحكم لنفسه في قضايا النزاع بينه وبين جهة عمله يوقعه غالبا في الجور والاعتداء.
فننصحك ـ إن لم تصطلح مع شركتك ـ برفع الأمر إلى القضاء الشرعي، والبعد عن تلمس باب التأويلات والفتاوى الشرعية التي تنتصر بها لنفسك، وتطلق بها يدك للتخوض في مال الشركة دون بينة صريحة واضحة، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 329800.
والله أعلم.