السؤال
أنا طالبة خريجة هذه السنة وكنت دائما أسهر على مشروع تخرجي ليظهر بأحسن صورة ولم أقصر في حقه أبدا وأنهيته في نفس يوم التسليم وأثناء الطباعة حدثت معي أشياء كثيرة أولا انقطع التيار الكهربائي ثانيا شعرت بعدم القدرة على التركيز والتفكير ثالثا لم يستطيع تعريف الطباعة على الكمبيوتر وأخذ وقتا طويلا حتى بدأ بالطباعة (علما بأنه لابد من تسليمه مطبوعا) وعندما رأيت أن الوقت قد تأخر ذهبت للدكتور لأعطيه الشغل الذي تمت طباعته وأعلمه أن الباقي في الطباعة أود أن أعرف لماذا حدث هذا؟ علما بأنني ألاحظ في الفترة الأخيرة أنني عندما أقوم بعمل يكون شؤما وينتهي بالفشل مهما تعبت عليه ولكنني عندما أقول قدر الله وما شاء فعل أرتاح نفسيا وسرعان ما أتذكر الموضوع ثانيا وهل هذا حسد أم قدر أم حظ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس أضر على الإنسان من أن يتسرب اليأس إلى نفسه أو يصيبه الوهن والضعف بسبب محنة أو ابتلاء قد مر به، فهذا مرض خطير حذر الله منه، فقال سبحانه مخاطبا للصحابة - رضي الله عنهم - بعد غزوة أحد التي قاسوا فيها ما قاسوا: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين[آل عمران:139].فإن من سنة الله في العبد أن يبتليه بالمصائب والمحن ليمتحن صبره وعبوديته، كما قال تعالى: الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين[العنكبوت:1- 3].وقال تعالى: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون[البقرة:156].فمن الخطأ العظيم إذن أن تظلم الحياة في أعيننا لأجل محنة أو مشكلة تعرضنا لها، فإن في ذلك عدة محظورات: الأول: الغفلة عن معنى الابتلاء الكامن في هذه المحنة، وهذا يسبب الارتباك والانهيار والجزع، وترك الصبر، وقد أمر سبحانه بالصبر في غير آية من القرآن، فقال سبحانه: واصبروا إن الله مع الصابرين[الأنفال:46]، وقال سبحانه: واصبر وما صبرك إلا بالله[النحل:127].الثاني: ظن السوء بالله، فيعتقد الإنسان أنه مبخوس الحق، ناقص الحظ، ولسان حاله يقول: ظلمني ربي ومنعني ما أستحق. وكان الواجب عليه أن يحسن الظن بربه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، المنزه عن كل سوء في ذاته وصفاته وأفعاله، وأن يفتش عن السوء في نفسه التي هي مأوى كل عيب، وما أتي إلا منها، كما قال تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير[الشورى:30].الثالث: الشعور باليأس والقنوط والإحباط، والوقوع في الفشل، فيبدأ يتعلل ويتذمر ويخبو حماسه ثم يتوقف عن مواصلة الطريق وينتهي بالفشل.وإذا عرفت هذا ونظرت إلى المحن والابتلاءات على أنها اختبار من الله في هذه الحالة التي تمرين بها، سواء كانت بسبب الحسد أو غيره، فكل ذلك بقدر الله وليس حظا كما ذكرت. وراجعي للأهمية الفتوى رقم: 9040.ونوصيك ببعض النصائح:1- ليكن توكلك على الله واعتمادك عليه، وتأملي دائما وصية النبي صلى الله عليه وسلم: واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. رواه الطبراني وغيره. وراجعي الفتاوى التالية: 21491، 23867، 9040.2- احذري من التشاؤم. وراجعي الفتوى رقم: 29787.3- أحسني دائما الظن بالله تعالى، فإنه سبحانه أولى بكل جميل، فلا تجزعي من حالة تسوؤك - إلا إذا كانت هذه الحالة تغضب ربك عليك وتبعدك منه - فربما كان ما لا تحبين هو عين مصلحتك. قال ابن القيم - رحمه الله -: ولا يستوحش من ظاهر الحال، فإن الله سبحانه يعامل عبده معاملة من ليس كمثله شيء في أفعاله، كما ليس كمثله شيء في صفاته، فإنه ما حرمه إلا ليعطيه، ولا أمرضه إلا ليشفيه، ولا أفقره إلا ليغنيه، ولا أماته إلا ليحييه، وما أخرج أبويه من الجنة إلا ليعيدهما إليها على أكمل حال، كما قيل: يا آدم لا تجزع من قولي لك: واخرج منها، فلك خلقتها، وسأعيدك إليها. فالرب تعالى ينعم على عبده بابتلائه ويعطيه بحرمانه، ويصحه بسقمه، فلا يستوحش عبده من حالة تسوؤه أصلا إلا إذا كانت تغضبه عليه وتبعده منه. 4- خذي بما استطعت من الأسباب ثم اتركي النتائج إلى الله يقدرها سبحانه بحكمته وعلمه ورحمته. قال صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل. فإن لو تفتح عمل الشيطان. رواه مسلم. وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 7101، 14326، 29853. ونسأل الله أن يشرح صدرك وييسر أمرك، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.