السؤال
عدد الأيام 6 الذي ذكرها الله في القرآن، خلق الله فيها كل شيء، أريد أن أعرف في كل يوم ماذا خلق الله؟ يعني سمعت أن آدم خلق يوم جمعة، وباقي الأيام ماذا خلق فيها؟
عدد الأيام 6 الذي ذكرها الله في القرآن، خلق الله فيها كل شيء، أريد أن أعرف في كل يوم ماذا خلق الله؟ يعني سمعت أن آدم خلق يوم جمعة، وباقي الأيام ماذا خلق فيها؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أخبر الله تعالى أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وذلك في مواضع من القرآن، منها قوله سبحانه: وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام [هود:7]، وقوله: الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام [الفرقان:59]، وقوله: ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام [ق:38]، وقوله: إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام [يونس:3]، وقوله: الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام [السجدة:4].
وجاء في تفصيل ذلك: أن الأرض خلقت في يومين، وأن الله تعالى جعل فيها الرواسي وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في يومين آخرين كذلك، فصار المجموع أربعا، وأن السماوات خلقت في يومين، وذلك في قوله تعالى: قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها [فصلت:9 - 12].
وقد بين المفسرون أن خلق الأرض وتقدير أقواتها قد تم ذلك كله في أربعة أيام، وأن الآية ذكرت العدد مجملا بعد تفصيل المعدود على سبيل الفذلكة، وهي الكلام المجمل، يؤتى به بعد ما ذكر مفصلا.
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: الظاهر أن معنى قوله هنا (في أربعة أيام) أي: في تتمة أربعة أيام. وتتمة الأربعة حاصلة بيومين فقط؛ لأنه تعالى قال: (قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين).
ثم قال: (في أربعة أيام) أي: في تتمة أربعة أيام. ثم قال: (فقضاهن سبع سماوات في يومين): فتضم اليومين إلى الأربعة السابقة، فيكون مجموع الأيام التي خلق فيها السماوات والأرض وما بينهما ستة أيام، وهذا التفسير الذي ذكرنا في الآية لا يصح غيره بحال؛ لأن الله تعالى صرح في آيات متعددة من كتابه بأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام... انتهى من "أضواء البيان"(7/74).
هذا وقد ورد في السنة ما يفيد أن ما على الأرض خلق في سبعة أيام، وذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي فقال: خلق الله -عز وجل- التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة في ما بين العصر إلى الليل.
وهذا الحديث مما اختلف فيه أهل العلم، فذهب يحيى بن معين، وعبد الرحمن بن مهدي، والبخاري، وغيرهم، إلى أنه غلط، وأنه ليس من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل صرح البخاري في تاريخه الكبير بأنه من كلام كعب الأحبار. وممن ذهب إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم.
قال شيخ الإسلام: والحجة مع هؤلاء، فإنه قد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وأن آخر ما خلقه هو آدم، وكان خلقه يوم الجمعة. وهذا الحديث المختلف فيه يقتضي أنه خلق ذلك في الأيام السبعة، وقد روي إسناد أصح من هذا أن أول الخلق كان يوم الأحد. انتهى من مجموع الفتاوى: (1/256).
وذهبت طائفة إلى صحة هذا الحديث، وأنه لا تعارض بينه وبين القرآن، فالقرآن أخبر أن خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وهذا الحديث تعرض لذكر خلق ما على الأرض من تراب وجبال وغير ذلك، فهذه الأيام السبعة ليست هي الأيام الستة المذكورة في القرآن.
قال الشيخ الألباني -رحمه الله- في التعليق على مشكاة المصابيح (3/1598): وليس بمخالف للقرآن بوجه من الوجوه، خلافا لما توهمه بعضهم، فإن الحديث يفصل كيفية الخلق على الأرض وحدها، وأن ذلك كان في سبعة أيام، ونص القرآن على أن خلق السماوات والأرض كان في ستة أيام، والأرض في يومين، لا يعارض ذلك، لاحتمال أن هذه الأيام الستة غير الأيام السبعة المذكورة في الحديث، وأنه - أعني الحديث - تحدث عن مرحلة من مراحل تطور الخلق على وجه الأرض حتى صارت صالحة للسكنى، ويؤيده أن القرآن يذكر أن بعض الأيام عند الله تعالى كألف سنة، وبعضها مقداره خمسون ألف سنة، فما المانع أن تكون الأيام الستة من هذا القبيل؟ والأيام السبعة من أيامنا هذه؟ كما هو صريح الحديث، وحينئذ فلا تعارض بينه وبين القرآن. انتهى.
ومما يؤيد ذلك أيضا ما رواه الحاكم، والبيهقي بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عباس -رضي الله عنهما- فقال: رأيت أشياء تختلف علي في القرآن. قال: هات ما اختلف عليك من ذلك. فقال: أسمع الله تعالى يقول: (قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) حتى بلغ (طائعين). فبدأ بخلق الأرض في هذه الآية قبل خلق السماوات، ثم قال سبحانه في الآية الأخرى: (أم السماء بناها) [النازعـات:27]، ثم قال: (والأرض بعد ذلك دحاها) [النازعـات:30].
فبدأ -جل شأنه- بخلق السماء قبل خلق الأرض. فقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: أما خلق الأرض في يومين، فإن الأرض خلقت قبل السماء، وكانت السماء دخانا فسواهن سبع سماوات في يومين بعد خلق الأرض، وأما قوله تعالى: (والأرض بعد ذلك دحاها) يقول: جعل فيها جبلا وجعل فيها نهرا، وجعل فيها شجرا، وجعل فيها بحورا.
فدل هذا على وجود خلقين: خلق الأرض ابتداء، وخلق ما فيها من الجبال والأنهار.
والله أعلم.