ما الدِّين الحق الذي كان يجب على الناس اتباعه قبل بعثة محمد عليه الصلاة والسلام؟

0 174

السؤال

قبل مجيء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد تحريف الإسلام الذي جاء به عيسى ـ عليه السلام ـ ماذا كان يجب على الناس أن يتبعوا حتى يدخلوا الجنة في الآخرة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: 

فإن دين المسيح الذي هو التوحيد، قد حرف قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم، لكن قد بقيت طائفة -وإن كانت قليلة- متمسكة بهذا الدين الحق، وقد كان يجب على الناس جميعا أن يتابعوا هذه الطائفة على ما تمسكت به من الدين الحق، ولكنهم لم يفعلوا، فاستحقوا المقت من الله تعالى، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عياض المجاشعي ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وإن الله تعالى نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب.

فهؤلاء البقايا الذين لم يستحقوا مقت الله وغضبه، هم المتمسكون بالدين الحق -دين التوحيد-، والذين كان يجب على كل الناس إذ ذاك أن يسلكوا مسلكهم؛ لينجوا من مقت الله وغضبه، قال النووي -رحمه الله-: قوله صلى الله عليه وسلم: وإن الله تعالى نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب ـ المقت أشد البغض، والمراد بهذا المقت والنظر ما قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد ببقايا أهل الكتاب الباقون على التمسك بدينهم الحق من غير تبديل. انتهى.

وفي الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم ما عبارته: وقوله: وإن الله نظر إلى أهل الأرض ـ معطوف على قوله: ألا إن ربي أمرني ـ والمعنى ألا وإن الله نظر وأبصر إلى أهل الأرض نظرا يليق به، ليس كمثله شيء، فمقتهم ـ أي: بغضهم، وسخط عليهم، والمقت أشد البغض، والمراد بهذا المقت والنظر ما قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عربهم وعجمهم ـ والمراد بالعجم هنا من لا يتكلم بكلام العرب، والمعنى أن الله تعالى أبغضهم لسوء صنيعهم، وخبث عقيدتهم، واتفاقهم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم على الشرك، سواء كان بعبادة الأصنام -كما وقع لمعظم جاهلية العرب- أو بعبادة عيسى ـ عليه السلام ـ كما وقع للنصارى- أو بعبادة عزير عليه السلام -كما وقع لليهود-، إلا بقايا، جمع بقية، وهم الذين بقوا على دين نبيهم، بلا تحريف، ولا تبديل، أي إلا بقية، من أهل الكتاب ـ أي: اليهود والنصارى بقوا على دين نبيهم، والظاهر أن المراد بهم هنا أتباع عيسى ـ عليه السلام ـ الذين بقوا على دينه وشريعته، بدون أن يرتكبوا فيه تحريفا، إلى أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم، ولا اعتبار ببقايا اليهود؛ لأن دين موسى رفع بدين عيسى ـ عليهما السلام ـ ولا ينفعهم البقاء عليه، قال القرطبي: قوله: إن الله نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم، عربهم وعجمهم.. إلخ، وذلك أن كلا من الفريقين كان يعبد غير الله، أو يشرك معه غيره، فكان الكل ضلالا عن الحق، خارجين عن مقتضى العقول والشرائع، فأبغضهم الله لذلك أشد البغض، لكن لم يعاجلهم بالانتقام منهم؛ حتى أعذر إليهم بأن أرسل إليهم رسولا، وأنزل عليهم كتابا؛ قطعا لمعاذيرهم، وإظهارا للحجة عليهم، وإنما استثنى البقايا من أهل الكتاب؛ لأنهم كانوا متمسكين بالحق الذي جاءهم به نبيهم، ويعني بذلك ـ والله أعلم ـ من كان في ذلك الزمان متمسكا بدين المسيح؛ لأن من كفر من اليهود بالمسيح لم يبق على دين موسى، ولا متمسكا بما في التوراة، ولا دخل في دين عيسى، فلم يبق أحد من اليهود متمسكا بدين حق إلا من آمن بالمسيح، واتبع الحق الذي كان عليه، وأما من لم يؤمن به، فلا تنفعه يهوديته، ولا تمسكه بها؛ لأنه قد ترك أصلا عظيما مما فيها، وهو العهد الذي أخذ عليهم في الإيمان بعيسى ـ عليه السلام ـ وكذلك نقول كل نصراني بلغه أمر نبينا وشرعنا، فلم يؤمن به، لم تنفعه نصرانيته؛ لأنه قد ترك ما أخذ عليه من العهد في شرعه؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار ـ رواه مسلم في كتاب الإيمان. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة