السؤال
أنا شخص ملتزم بالسنة منذ عدة سنوات، ولله الحمد، وعندي اضطراب مزاج مشخص من طبيب نفسي، وأشعر بأن الدخان يفيدني، مع العلم بأني أشرب اثنتين أو ثلاثا في اليوم، ومن أخف الأنواع، وأتحرى بأن لا يراني أحد؛ كي لا أحمل وزرا بأن يصبح مدخنا.
ولقد كنت مدخنا في الأيام الخاوية؛ لذلك آمن على نفسي من الإدمان، وعندي علم تام بحكمه وتفاصيله، وقرأت وشاهدت الكثير من المقاطع عنه.
فهل هنالك إجازة خاصة لي؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدخان محرم، فلا يجوز التداوي به؛ لما في سنن أبي داود عن أبي الدرداء رفعه : لا تداووا بحرام.
وله عن أم سلمة مرفوعا: إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها.
وقال ابن قدامة -رحمه الله- في "المغني": ولا يجوز التداوي بمحرم, ولا بشيء فيه محرم, مثل ألبان الأتن (جمع أتان وهي أنثى الحمار)، ولحم شيء من المحرمات, ولا شرب الخمر للتداوي به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها); ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له النبيذ يصنع للدواء، فقال: (إنه ليس بدواء، ولكنه داء). انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله: المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلا وشرعا.
أما الشرع فما ذكرنا من هذه الأحاديث وغيرها.
وأما العقل فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيبا، عقوبة لها كما حرمه على بني إسرائيل بقوله: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) النساء /160، وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه، وتحريمه له حمية لهم، وصيانة عن تناوله، فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل، فإنه وإن أثر في إزالتها، لكنه يعقب سقما أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه، فيكون المداوى به، قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب.
وأيضا: فإن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته، وهذا ضد مقصود الشارع.
وأيضا: فإنه داء، كما نص عليه صاحب الشريعة، فلا يجوز أن يتخذ دواء.
وأيضا: فإنه يكسب الطبيعة والروح صفة الخبث؛ لأن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالا بينا، فإذا كانت كيفيته خبيثة، اكتسبت الطبيعة منه خبثا، فكيف إذا كان خبيثا في ذاته؛ ولهذا حرم الله سبحانه على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة، لما تكسب النفس من هيئة الخبث وصفته. انتهى من "زاد المعاد"
وفي فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ: المحرمات لا يجوز التداوي بها، وفي الحديث: (تداووا، ولا تتداووا بحرام) فيفيد تحريم التداوي به، ولا يفيد أنه لا شفاء فيه، بل يفيد أن مضرته أكثر.
أما حديث: " إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها" فهو يفيد أنه لا بد أن يعتقد عقيدة أن الله لم يجعل فيه شفاء، فهو مسلوب العافية.
وقد يوقع الشيطان كثيرا من العوام بأشياء يزعمون فيها شفاء، وهو خداع من الشيطان مثل "دم البرازي" عندما يوجد في أحد عضة الكلب الكلب. فإن هذا باطل، ومن الشيطان، وكثير منه يحصل اتفاق أنه يشفى، ثم إن الشيطان جعل لهم شبهة، فإنه تارة يشفى، وتارة لا. وإذا لم يوجد شفاء، قالوا نسب فلان فيه شيء، وكل هذا تحسين لمسلكهم السيئ، وترويج لباطلهم. اهـ
والله أعلم.