السؤال
حديث رواه أبو داود (425)، وأحمد (22196) عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله عليه وسلم يقول: (خمس صلوات افترضهن الله تعالى، من أحسن وضوءهن، وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وخشوعهن، كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل، فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه)، وصححه الألباني -رحمه الله- في "صحيح سنن أبي داود“.
ما تفسير الحديث "بالتفصيل“؟
وما معنى جملة: " كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل، فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه “؟
وما المراد بالعهد؟
حديث: "فإن هو قام فصلى، فحمد الله وأثنى عليه، ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله؛ إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه"
هل يشمل هذا الحديث من فعل أكبر الكبائر، ولكنه لم يكفر، أن الله يغفر له كهيئته يوم ولدته أمه؟ وما التفصيل في ذلك؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتخريج السائل للحديث، يدل على قدرته على الرجوع للكتب، وشرح هذا الحديث موجود في كتب شروح الحديث، فبإمكان السائل الرجوع إليها إن أراد التفصيل.
ونحن ننقل له هنا طرفا من ذلك.
قال العيني في شرح أبي داود: قوله: "من أحسن وضوءهن" إحسان الوضوء: إسباغه وإكماله.
قوله: "وصلاهن لوقتهن" أي: في وقتهن؛ "اللام" تجيء بمعنى "في" كما في قوله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} {لا يجليها لوقتها إلا هو} قيل: ومنه {يا ليتني قدمت لحياتي} أي: في حياتي. ويجوز أن تكون بمعنى "عند" كقولهم: كتبته لخمس خلون.
قوله: "وأتم ركوعهن" وإتمام الركوع: أن يطمئن فيه ويأتي بتسبيحه، ولم يذكر السجود اكتفاء، أي: وسجودهن، كما في قوله تعالى: {سرابيل تقيكم الحر} أي: والبرد.
قوله: "وخشوعهن" الخشوع: الخشية؛ والخشوع يكون في الصوت والبصر، كالخضوع في البدن.
وإتمام الخشوع: أن تخافت في الأدعية، وفي القراءة فيما يخافت فيه، وأن يكون بصره في موضع سجوده في القيام، ولا يلتفت يمينا وشمالا، وفي ركوعه إلى أصابع رجليه، وفي سجوده لطرف أنفه، وفي قعوده: إلى حجره.
قوله: " كان له على الله عهد " أي: يمين؛ وليس هذا على الله بطريق الوجوب؛ لأن العبد لا يجب له على الله شيء، وإنما يذكر مثل هذا بمعنى أنه متحقق لا محالة، أو يذكر على جهة المقابلة. اهـ.
وقال التوربشتي في شرح مصابيح السنة: (كان له على الله عهد) العهد: حفظ الشيء ومراعاته حالا بعد حال، ومنه سمي الموثق الذي يلزم العباد مراعاته عهدا، وعهد الله ما أوصاهم بحفظه فلا يسعهم إضاعته، ثم سمي ما كان من الله تعالى على طريق المجازاة لعباده عهدا على نهج الاتساع؛ لأنه وجد في مقابلة عهده على العباد، ولأن الله تعالى وعد القائمين بحفظ عهده أن لا يعذبهم، وهو بإنجاز وعده ضمين، وبأن لا يخلفه حقيق، فسمي وعده عهدا؛ لأنه أوثق من كل عهد. اهـ.
وقال القاري في مرقاة المفاتيح: (أن يغفر له): إما جملة محذوفة المبتدأ، صفة عهد، وإما بدل عن عهد، وهو العقد والأمان والميثاق، والمراد غفران الصغائر.
(ومن لم يفعل: أي: مطلقا، أو ترك الإحسان (فليس له على الله عهد إن شاء غفر له): فضلا (وإن شاء عذبه) : عدلا، وقدم مشيئة الغفران إيماء إلى أن رحمته سبقت غضبه، ووكل أمر التارك إلى مشيئة الله تعالى، تجويزا لعفوه، ومن عادة الكرام المحافظة على الوعد، والمسامحة في الوعيد. اهـ.
وقال الزرقاني في شرح الموطأ: وفيه أن تارك الصلاة لا يكفر، ولا يتحتم عذابه، بل هو تحت المشيئة بنص الحديث، وقد أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من طريق مالك، وصححه ابن حبان والحاكم وابن عبد البر.
وجاء من وجه آخر عن عبادة بنحوه في أبي داود والترمذي والنسائي والبيهقي، وله شاهد عند محمد بن نصر من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي. اهـ.
وأما السؤال الثاني، فراجع في جوابه الفتاوى التالية أرقامها: 220336، 326980، 57215.
والله أعلم.