السؤال
أرجو إفادتي في موضوع يتعلق بشركة المضاربة، وبالتحديد في الديون المعدومة، وهل يتم خصمها من الأرباح؟ أم يتم تحميلها للشريك المضارب في حالة التقصير؟
أرجو إفادتي في موضوع يتعلق بشركة المضاربة، وبالتحديد في الديون المعدومة، وهل يتم خصمها من الأرباح؟ أم يتم تحميلها للشريك المضارب في حالة التقصير؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في بيع المضارب نسيئة ـ بالآجل ـ هل يلزم فيه إذن رب المال، أم يجوز له فعل ذلك بمطلق عقد المضاربة، ولو لم ينص على الإذن بذلك؟
وجمهور أهل العلم على أنه إذا لم يأذن رب المال بالبيع نسيئة، فليس للمضارب فعل ذلك، وإن فعله ضمن المال.
وذهب أبو حنيفة، وأحمد في رواية: إلى أن ذلك جائز بمطلق العقد، قال الزيلعي الحنفي في تبيين الحقائق: للمضارب أن يفعل هذه الأشياء كلها ـ ومنها: البيع بنقد ونسيئة ـ إذا كانت المضاربة صحيحة مطلقة، بأن دفع إليه مضاربة بالنصف مثلا ولم يزد عليه؛ لأن المطلق يتناول الأنواع كلها، فله أن يفعل ما هو معتاد بين التجار؛ لأنه قد يربح في جهة من التصرف دون جهة، أو في نوع من الأنواع دون نوع، فيطلق له الكل؛ ليحصل له غرضه، وهو تحصيل الربح. اهـ.
وجاء في المدونة: قال مالك: لا يجوز للمقارض أن يبيع بالنسيئة إلا بإذن رب المال، وهو ضامن إذا باع بالنسيئة بغير أمره. اهـ.
وقال الشيرازي في المهذب: ولا يجوز أن يبيع شيئا نسيئة؛ لأنه ربما يجحد المشتري، أو يفلس. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: المضارب وغيره من الشركاء، إذا نص له على التصرف، فقال: نقدا أو نسيئة، أو قال: بنقد البلد، أو ذكر نقدا غيره جاز، ولم تجز مخالفته؛ لأنه متصرف بالإذن، فلا يتصرف في غير ما أذن له فيه، كالوكيل، ولأن ذلك لا يمنع مقصود المضاربة، وقد يطلب بذلك الفائدة في العادة، وإن أطلق، فلا خلاف في جواز البيع حالا، وفي البيع نسيئة روايتان:
إحداهما: ليس له ذلك، وهو قول مالك، وابن أبي ليلى، والشافعي؛ لأنه نائب في البيع، فلم يجز له البيع نسيئة بغير إذن صريح فيه، كالوكيل، وذلك لأن النائب لا يجوز له التصرف إلا على وجه الحظ والاحتياط، وفي النسيئة تغرير بالمال، وقرينة الحال تقيد مطلق الكلام، فيصير كأنه قال: بعه حالا.
والثانية: أنه يجوز له البيع نساء، وهو قول أبي حنيفة، واختيار ابن عقيل؛ لأن إذنه في التجارة والمضاربة ينصرف إلى التجارة المعتادة، وهذا عادة التجار، ولأنه يقصد به الربح، والربح في النساء أكثر، ويفارق الوكالة المطلقة، فإنها لا تختص بقصد الربح، وإنما المقصود تحصيل الثمن فحسب، فإذا أمكن تحصيله من غير خطر، كان أولى، ولأن الوكالة المطلقة في البيع تدل على أن حاجة الموكل إلى الثمن ناجزة، فلم يجز تأخيره، بخلاف المضاربة. اهـ.
وهذا في المضاربة المطلقة.
وأما إذا فوض رب المال للمضارب، وقال له: اعمل برأيك، أو: تصرف كيف شئت، ونحو ذلك، فللمضارب أن يبيع نسيئة عند الجمهور، خلافا للشافعية، قال ابن قدامة: وإن قال له: اعمل برأيك، فله البيع نساء، وكذلك إذا قال له: تصرف كيف شئت، وقال الشافعي: ليس له البيع نساء في الموضعين؛ لأن فيه غررا، فلم يجز، كما لو لم يقل له ذلك، ولنا، أنه داخل في عموم لفظه، وقرينة حاله تدل على رضائه برأيه في صفات البيع، وفي أنواع التجارة، وهذا منها. اهـ.
وعلى ذلك ينبني حكم ضمان المضارب للديون المستحقة للتجارة، فإن كان رب المال أذن له في البيع الآجل، أو علم بذلك وأقره، أو قال له: اعمل برأيك، ونحو ذلك، فلا يضمن المضارب ديون التجارة، إلا إذا فرط في عمله، كأن يتوانى في تحصيل الديون، أو باع لمن هو مشهور بالمماطلة، أو الإفلاس، ونحو ذلك.
وأما إذا لم يأذن له رب المال في البيع بالآجل، فهو ضامن لهذه الديون عند جمهور العلماء، على خلاف بينهم في المضمون، هل هو قيمة المبيع أم ثمنه؟ والثمن هو كامل الدين المستحق، وأما القيمة فهي ثمنه دون ربح التجارة، قال ابن قدامة: إذا قلنا: له البيع نساء، فالبيع صحيح، ومهما فات من الثمن لا يلزمه ضمانه، إلا أن يفرط ببيع من لا يوثق به، أو من لا يعرفه، فيلزمه ضمان الثمن الذي انكسر على المشتري، وإن قلنا: ليس له البيع نساء، فالبيع باطل؛ لأنه فعل ما لم يؤذن له فيه، فأشبه البيع من الأجنبي، إلا على الرواية التي تقول: يقف بيع الأجنبي على الإجازة، فهاهنا مثله، ويحتمل قول الخرقي صحة البيع، فإنه إنما ذكر الضمان، ولم يذكر فساد البيع.
وعلى كل حال؛ يلزم العامل الضمان؛ لأن ذهاب الثمن حصل بتفريطه، فإن قلنا بفساد البيع، ضمن المبيع بقيمته إذا تعذر عليه استرجاعه، إما لتلف المبيع، أو امتناع المشتري من رده إليه، وإن قلنا بصحته، احتمل أن يضمنه بقيمته أيضا؛ لأنه لم يفت بالبيع أكثر منها... وزيادة الثمن حصلت بتفريطه، فلا يضمنها، واحتمل أن يضمن الثمن؛ لأنه وجب بالبيع، وفات بتفريط البائع، وإن نقص عن القيمة فقد انتقل الوجوب إليه بدليل أنه لو حصل الثمن لم يضمن شيئا. اهـ.
والله أعلم.