السؤال
إذا كانت المرأة التي دخلت في الإسلام تشعر بحرج ومشقة من ترك العطر والبارفان والمكياج بأنواعه، والعدسات الملونة والأظافر والرموش الصناعية، والتخلي عن عمليات التجميل التي بدافع زيادة الحسن.
(ولبس غطاء الرأس الشرعي (الخمار الذي يغطي الشعر والرقبة والأذنين، والصدر والظهر والأرداف، والجلباب الواسع، غير الشفاف، الطويل للقدمين بلا فتحة، والخالي من التطريز والزخرفة والألوان اللامعة، والملفتة للانتباه. فهل نلزمها بذلك ونشدد عليها، وإن أدى ذلك في النهاية إلى أن تبتعد نهائيا عن الإسلام؟
أم يجب أن نحوطها بأخواتها المسلمات الصالحات، لتتخذ منهن أسوة، ونأخذها بالرفق لا بالعنف؛ فإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في أن من أعظم النعم أن من الله عز وجل على هذه المرأة بالدخول في الإسلام، وينبغي أن تعان على الثبات عليه، وأن يتدرج معها في تعليمها أمور دينها، ويركز معها على ما يقوي إيمانها؛ ليسهل بعده الامتثال والاستجابة لأمر الله تبارك وتعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم. روى البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا.
وههنا كلام مهم أورده الحافظ ابن رجب في جامع العلوم الحكم، ننقله لكم بتمامه؛ لأهميته، ومناسبته للمقام.
حيث قال: ومن المعلوم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل من كل من جاءه يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط، ويعصم دمه بذلك، ويجعله مسلما. فقد أنكر على أسامة بن زيد قتله لمن قال لا إله إلا الله لما رفع عليه السيف، واشتد نكيره عليه ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يشترط على من جاءه يريد الإسلام أن يلتزم الصلاة والزكاة، بل قد روي أنه قبل من قوم الإسلام واشترطوا أن لا يزكوا، ففي مسند الإمام أحمد عن جابر -رضي الله عنه- قال: اشترطت ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليهم ولا جهاد، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سيتصدقون ويجاهدون. وفيه أيضا عن نصر بن عاصم الليثي عن رجل منهم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم على أن لا يصلي إلا صلاتين، فقبل منه... اهـ.
وهذا كله رجاء ثباتهم على الإسلام، ويقينهم بكونه سبيل النجاة، وامتثالهم فيما بعد لجميع أحكامه.
والمقصود من هذا كله بيان أهمية التدرج، وأن المصلحة الشرعية قد تقتضي في بعض الأحوال ترك الأمر ببعض الواجبات، أو ترك النهي عن بعض المحرمات، والغرض من ذلك تأليف القلب على الإسلام، والحذر من التنفير منه.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يلقن جميع شرائعه، ويؤمر بها كلها. وكذلك التائب من الذنوب؛ والمتعلم والمسترشد، لا يمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين، ويذكر له جميع العلم؛ فإنه لا يطيق ذلك، وإذا لم يطقه لم يكن واجبا عليه في هذه الحال، وإذا لم يكن واجبا، لم يكن للعالم والأمير أن يوجبه جميعه ابتداء، بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان، كما عفا الرسول عما عفا عنه إلى وقت بيانه، ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات، وترك الأمر بالواجبات؛ لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل، وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط. اهـ.
وبناء على هذا؛ فلا حرج عليكم في التدرج مع هذه المرأة ابتداء بالأهم فالمهم، فيقبل منها مثلا الحجاب ولو اختلت فيه بعض الشروط ككونه زينة، أو كون الخمار يغطي الرأس مع إبداء شيء من الصدر ونحو ذلك. وهكذا الحال فيما يتعلق بالمكياج وعمليات التجميل بدافع طلب الحسن، وغير ذلك مما ذكر، فالمعروف عادة أنها ليست سواء في التسبب في الفتنة، وهكذا يستمر التدرج معها من غير توقف عند حد، يفضي إلى إقرارها على معصية الله ومخالفة أمره ونهيه.
نسأل الله عز وجل لها الثبات على الحق والعزيمة على الرشد، وأن يقيها شر نفسها وسوء عملها.
والله أعلم.