السؤال
هل مشي الرمل، مشي اختيال وخيلاء، وهو أن يمشي الإنسان سريعا، مع تقارب الخطى، مع العلم بأن هذه مشية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحج ....
المشيات عشرة أنواع: هذه الثلاثة منها، والرابع: السعي، والخامس: الرمل، وهو أسرع المشي مع تقارب الخطى، ويسمى: الخبب، وفي الصحيح من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم (خب في طوافه ثلاثا، ومشى أربعا) ....
فانا أريد أن أزيل الإشكال الذي قاله الإمام البغوي وهو قوله:
" قوله: (تقلع) أي: كان قوي المشية، يرفع رجليه من الأرض رفعا بائنا بقوة، لا كمن يمشي اختيالا، ويقارب خطاه تنعما" انتهى من "شرح السنة" (12/ 320).
.... الإشكال هو: لا كمن يمشي اختيالا، ويقارب خطاه تنعما.
وهل لو مشى الإنسان مشية يكون صفتها: أن يمشي مستقيم الظهر، معتدل القامة كمشيه الجندي في الجيش، أو كما يقال المشية الصحية التي فيها انتصاب واستقامة الظهر مع فرد الكتفيين .... فهي مشية توحي بالقوة والنشاط والعزة والهيبة. فمعلوم بأن الهيبة شيء مباح، كما قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: كثرة المزاح تقلل الهيبة.
أفيدوني: هل هذه المشية التي فيها اعتدال للقامة، واستقامة للظهر كالمشية الرياضية حرام؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالمشي الذي فيه قوة ونشاط، من غير تكلف وتنطع، هو السنة. فقد جاء في صفة مشي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا مشى، مشى مجتمعا، ليس فيه كسل. رواه أحمد، وصححه شعيب الأرنؤوط.
ومعنى "مجتمعا: أي: شديد الحركة، قوي الأعضاء، غير مسترخ في المشي.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمشي تلك المشية من غير تكلف، ولا تشنج ولا تصنع.
وأما قول البغوي في شرح السنة: يمشي اختيالا، ويقارب خطاه تنعما. فمن الواضح أنه لا يعني به الرمل الذي جاءت به السنة في الطواف، فالرمل الإسراع مع تقارب الخطى، ولكن مع غير تكبر.
قال الزرقاني في شرح الموطأ: الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، وقال ابن دريد: هو شبيه بالهرولة... اهــ.
ومشية المختال أن يمشي متكبرا، متعاظما في نفسه، ومتجاوزا حد الاعتدال في المشي، وباطن القدم تلامس الأرض أثناء المشي كأنه يسحبها سحبا، هذه صفات مشي الاختيال التي ذكرها أهل العلم.
قال صاحب المفاتيح في شرح المصابيح: قوله: "إذا مشى تكفأ"، (تكفأ) في المشي: إذا رفع رجله من الأرض ثم وضعها؛ يعني: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع قدمه من الأرض عند المشي، ولا يمسح قدمه على الأرض كمن يمشي عن التبختر والاختيال. اهـ.
وهذا -فيما يظهر- ما أراده البغوي بقوله: يرفع رجله من الأرض رفعا بائنا، لا كمن يمشي اختيالا. (يعني لا يرفعها عن الأرض). وفي سبل السلام: والاختيال في المشية هو من التكبر.
وجاء في الموسوعة الفقهية في بيان صفة الاختيال في المشي: الاختيال في المشي:
الاختيال في المشي يحدث بتجاوز الإنسان حد القصد والاعتدال في مشيته، والقصد في المشي يكون بين الإسراع والبطء. والمعنى أن الإنسان لا يسرع في مشيته بأن يثب وثب الشطار.... كما أنه لا يبطئ في مشيته بحيث يدب على الأرض دبيب المتماوتين المتثاقلين، ولهذا أمر الله بالقصد في المشي، فقال تعالى: {واقصد في مشيك}، كما امتدح الله تعالى من يقتصد في مشيته، ولا يتجاوز الاعتدال بقوله: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}، ومن ثم إذا تجاوز الإنسان حد الاعتدال والقصد في المشي، يكون قد وقع في المحظور، وهو الاختيال. والأصل في تحريم الاختيال في المشي وأنه من الكبائر قوله تعالى: {ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها}.. اهـ.
وجاء فيها أيضا: الاختيال في المشي: وهو يعني التبختر والتعالي في المشية، وهو محرم بقوله تعالى: {ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا * كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها}، وبقوله صلى الله عليه وسلم: بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل شعره، إذ خسف الله به، فهو تجلجل إلى يوم القيامة. اهـ.
وما يعرف الآن أو يسمى بالمشية العسكرية أو الرياضية، التي يحرك فيها الماشي يديه مستقيمتين، وقدميه مستقيمتين مع الشد كأنها مسطرة، ويرفع يديه إلى الأعلى رفعا مبالغا فيه، وينصب رأسه كأنه ينظر إلى السماء، ويمشي ضاربا الأرض برجليه بقوة وكأنه يريد أن يخرقها. فليست تلك المشية مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هي مشية أقرب إلى الاختيال منها إلى السنة؛ لما فيها من التكلف، وربما تعاظم الماشي فيها، وزهت نفسه في عينيه، ولم تكن عساكر الإسلام في زمن عزة المسلمين تعرف مثل هذه الأمور، التي ربما أخذت من غير المسلمين كهذه المشية أو نحوها.
والله تعالى أعلم.