السؤال
إذا خرج من المرأة دم بعد مرور خمسة عشرة يوما لأكثر الحيض، على هيئة نقطة أو نقطتين، أو خرج على هيئة نزيف، ثم انقطع، فهل يستحب في حقها أن تغتسل غسل الاستحاضة، أم إن غسل الاستحاضة يتعلق بمن يستمر معها الدم حتى يختلط مع دم الحيض للشهر القادم؟ أي هل لا بد أن يختلط دم الاستحاضة، مع دم الحيض للشهر القادم؟ جزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد بينا ضابط الزمن الذي يكون ما تراه المرأة فيه من الدم حيضا، وما يكون استحاضة في الفتوى رقم: 118286، وتنظر الفتوى رقم: 100680 لتفصيل حكم الدم العائد، ولبيان ما يجب على المستحاضة فعله، تنظر الفتوى رقم: 156433.
والمستحاضة لا يجب عليها الغسل في مدة الاستحاضة، وإنما تغتسل مرة واحدة عند انتهاء حيضها، فإذا رأت دما محكوما بكونه استحاضة، لم يجب عليها الغسل، وإنما يستحب لها، ثم المستحب لها أن تغتسل لكل صلاة، وإن جمعت بين الصلاتين بغسل واحد، فهو حسن، وإن اغتسلت في كل يوم مرة، فهو حسن، وإن اقتصرت على الوضوء لكل صلاة، ولم تغتسل أصلا، أجزأها هذا عند الجمهور، وهو الصواب، وسواء كانت استحاضتها متصلة بالحيض أم لا؟ ما دام ما رأته محكوما بكونه استحاضة.
وزيادة للبيان، ننقل ما ذكره ابن قدامة -رحمه الله- في المغني، في بيان الخلاف في هذه المسألة:
قال أبو القاسم الخرقي في مختصره: والمستحاضة إن اغتسلت لكل صلاة، فهو أشد ما قيل فيها، وإن توضأت لكل صلاة، أجزأها.
قال الشارح أبو محمد ابن قدامة -رحمه الله-: اختلف أهل العلم في المستحاضة، فقال بعضهم: يجب عليها الغسل لكل صلاة. روي ذلك عن علي، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وهو أحد قولي الشافعي في المتحيرة؛ لأن عائشة روت أن أم حبيبة استحيضت، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تغتسل لكل صلاة، متفق عليه، وروى أبو داود أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرها بالغسل عند كل صلاة.
وقال بعضهم: تغتسل كل يوم غسلا، وروي ذلك عن عائشة، وعن ابن عمر، وأنس، وسعيد بن المسيب، فإنهم قالوا: تغتسل من ظهر إلى ظهر.
قال مالك: إني أحسب حديث ابن المسيب إنما هو: من طهر إلى طهر. ولكن الوهم دخل فيه. يعني أن الطاء غير المعجمة أبدلت بالظاء المعجمة. وقال بعضهم: تجمع بين كل صلاتي جمع بغسل واحد، وتغتسل للصبح على ما في حديث حمنة. وقد ذكرناه، وكذلك أمر به سهلة بنت سهيل، وبه قال عطاء، والنخعي، وأكثر أهل العلم، على أن الغسل عند انقضاء الحيض، ثم عليها الوضوء لكل صلاة، ويجزئها ذلك. ويروى هذا عن عروة، وبه قال الشافعي، وأصحاب الرأي.
وقال عكرمة، وربيعة، ومالك إنما عليها الغسل عند انقضاء حيضها، وليس عليها للاستحاضة وضوء؛ لأن ظاهر حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، في حديث فاطمة بنت أبي حبيش الغسل فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: " فاغتسلي، وصلي". ولم يذكر الوضوء لكل صلاة.
ولنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: إنما ذلك عرق، وليست بالحيضة، فإذا أقبلت، فدعي الصلاة، فإذا أدبرت، فاغسلي عنك الدم وصلي، وتوضئي لكل صلاة. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وهذه زيادة يجب قبولها.
وفي حديث عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم في المستحاضة: تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتصلي، وتتوضأ عند كل صلاة.
ولأنه دم خارج من الفرج، فأوجب الوضوء، كدم الحيض، وهذا يدل على أن الغسل المأمور به في سائر الأحاديث مستحب غير واجب، والغسل لكل صلاة أفضل؛ لما فيه من الخروج من الخلاف، والأخذ بالثقة والاحتياط، وهو أشد ما قيل، ثم يليه في الفضل والمشقة الجمع بين كل صلاتين بغسل واحد، والاغتسال للصبح؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: وهو أعجب الأمرين إلي، ثم يليه الغسل كل يوم مرة، بعد الغسل عند انقضاء الحيض، ثم تتوضأ لكل صلاة، وهو أقل الأمور، ويجزئها. انتهى كلامه -رحمه الله-.
والله أعلم.