السؤال
نصحت زميلاتي في المدرسة بقراءة كتاب كنت أراه كتابا جميلا ومفيدا، ولكن تبين لي لاحقا شيء آخر، فبعد قراءته مجددا، توقفت عند النص التالي: "وجاء في القرآن عن شخصية النبي يعقوب -عليه السلام- أن شخصيته مزيج بين الشخصية الشكاكة والقلقة، وهذا يتضح في سورة يوسف، حيث يخبرنا الله أن أول ما فعله يعقوب عندما أخبره ابنه يوسف عن منامه، أن قلق عليه، وحذره من أن يقصها على إخوته ... وحين استأذن إخوة يوسف منه أن يأذن لهم بذهاب يوسف معهم، قال بكل قلق وشك: (إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون)" من كتاب: أقوم قيلا لسلطان الموسى الصفحة: 183
واستمر الكاتب في ذكر أمثلة أخرى في كتابه، مثل أمر النبي يعقوب -عليه السلام- أبناءه أن لا يدخلوا من باب واحد.. الخ.
فخشيت أن يكون الكاتب قال قولا سيئا في حق هذا النبي -عليه السلام-، ولكني لم أنبه زميلاتي؛ لأنني لم أجرؤ على فتح موضوع قديم، فقد مرت شهور على اليوم الذي حدثتهن فيه عن الكتاب، ومضت الأيام، وتخرجت من الثانوية، ولا زلت خائفة لهذا السبب، فهل في عدم التنبيه خطورة علي؟ وهل لا تبرأ ذمتي إلا بالتنبيه؟ لا أعلم إن كن قرأنه أم لا.
آمل أن يكون سؤالي واضحا، فأنا أريد أن أعرف إن كانت (عقيدتي) ستبقى سليمة، حتى مع عدم التنبيه، وأني لا أعتبر داعية لباطل، علما أني قادرة على التواصل حتى الآن مع عدد من أولئك الزميلات.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن ما ذكره صاحب الكتاب عن نبي الله يعقوب، يجمع بين سوء الأدب مع ذاك النبي الكريم، وبين سوء الفهم والتحليل لقصته، ولشخصيته -عليه السلام-.
فنهيه لابنه يوسف عن أن يقص الرؤيا على إخوانه، وخوفه من إرساله معهم حين طلبوا ذلك، ليس دافعه القلق والشك، كما زعم ذلك الكاتب، وإنما دافعه علمه بمكايد الشيطان، وما قد يقذفه في قلوب إخوانه تجاهه، إن سمعوا تلك الرؤيا، وعلموا تأويلها؛ ولهذا جاء في تمام الآية: إن الشيطان للإنسان عدو مبين {يوسف:5}.
وقد دلت أحداث القصة بعد ذلك على صدق ما كان يخافه، ويظنه فيهم.
وكذا حين أمر أولاده أن يدخلوا متفرقين لا مجتمعين، كان الدافع علمه بأن العين حق، وليس مجرد الشك.
ثم إن الشك الذي يقوم بسبب قرائن قوية، ويحتاط به صاحبه، هذا ليس مذموما، بل هو من الحزم المحمود، الذي يدل على الفطنة، بخلاف الغبي الذي ربما قامت أمامه براهين الشر، ثم لا ينتبه حتى يصفعه، فالأمر ليس كما قال ذلك الكاتب عن نبي الله يعقوب بأن شخصيته قلقة شكاكة، وإنما كما قال الله تعالى في وصفه -عليه السلام-: وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون {يوسف:68}.
ولذا؛ فإننا لا ننصح بقراءة ذلك الكتاب، بل ينبغي التحذير منه، وما فيه من خير يمكن أن يستغنى عنه بما في الكتب الأخرى التي تناولت قصة يوسف خالية من تلك الإساءة في الأدب والتحليل.
فإن أمكنك نصح صديقاتك بعدم قراءته، فذاك، وإلا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، واحرصي مستقبلا على أن تكون نصيحتك لغيرك بقراءة كتاب، أو غير ذلك، نصيحة مبنية على علم بالمنصوح به.
والله تعالى أعلم.