مذاهب الفقهاء في قتل الحشرات

0 395

السؤال

لم أجد جوابا للإشكال التالي:
قرأت في إحدى الفتاوى على موقعكم الفاضل، ما نصه: (... وأما ما لا يؤذي بطبعه كالجعلان والذباب، فلا يقتل إلا إذا حصلت منه أذية ...) وسؤالي عن الذباب، حيث قرأت في كتاب طبي أن ذباب المنازل قد ينقل أمراضا بكتيرية وفيروسية، وطفيلية وغيرها -فضلا عن أنواع أخرى من الذباب غير ذباب المنازل تسبب أمراضا مختلفة -، كما أن وجود الذباب في البيت يضايق جدا حين يقف على الجسم، فقد يعطل عن العمل، أو يوقظ من النوم، وأيضا تكون نظرة الضيوف إلى البيت أنه قذر؛ لوجود ذباب كثير فيه قد يضايقهم كذلك.
فكيف يكون الذباب غير مؤذ بطبعه؟ وما هو الأذى الذي أنتظر حصوله حتى يباح لي قتله؟ علما بأن طرد الذباب من المنزل بدلا من قتله، فيه حرج لا أظنه يخفى عليكم، خاصة مع تكرار دخوله.
ثانيا: ذكرتم في نفس الفتوى أن البعوض مؤذ بطبعه، ويباح قتله لذلك، ولا أعلم أنه يفوق الذباب في الأذية إلا في كونه يقرص. فهل القرص هو الأذى المعتبر الوحيد؟
ثالثا: أحيانا أجد حشرات في المنزل مجهولة بالنسبة لي، ولا أعلم طبعها من حيث الأذية، فهل قتلها مكروه أو حرام أو جائز؟
رابعا: إذا لم يكن هناك بد من قتل النمل، مثل عندما نريد أن نمسح البيت، فنجد مجموعات من النمل على الأرض والجدار، أو عندما أريد غلي الشاي، فأجد مجموعة من النمل داخل الغلاية ... إلخ.
فهل من إثم حينها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فلا إشكال أيها الأخ الكريم، فإذا وجد أذى من الذباب على أي وجه كان الأذى، فلا حرج في قتله، والفرق بين الذباب والبعوض من حيث الأذى واضح. لكن إن ثبت ما ذكرته من كون الذباب ناقلا للأمراض، فيتجه كونه مؤذيا بالطبع، ثم الحشرات المجهولة حكمها حكم سائر الحشرات.

واختلف العلماء في حكم قتل الحشرات: فمنهم من أباحه، ومنهم من رأى كراهته، ويسعك الأخذ بالقول بالإباحة؛ لأن العامي يقلد من يوثق بقوله من أهل العلم، على ما هو مبين في الفتوى رقم: 169801.

وأما النمل فمنهي عن قتله، إلا أن يكون يؤذي، فيقتل حينئذ، وزيادة للتفصيل ننقل لك ما جاء في الموسوعة الفقهية، في حكم قتل الحشرات باختصار؛ لتتعرف على مذاهب العلماء، ثم يسعك بعد هذا تقليد أيها شئت.

جاء في الموسوعة ما مختصره: قتل الحشرات ليس مأمورا به مطلقا، ولا منهيا عنه مطلقا، فقد ندب الشارع إلى قتل بعض الحشرات، كما أنه نهى عن قتل بعضها أيضا.

فمن المشروع قتله: الحية... ويستحب كذلك قتل الوزغ، ولو لم يحصل منه أذية؛ لما روى سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ، وسماه فويسقا...

ومن حيث العموم يستحب قتل كل ما فيه أذى من الحشرات كالعقرب، والبرغوث، والزنبور، والبق.

وذهب المالكية إلى الجواز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن حشرات الأرض تؤذي أحدا، فقال: ما يؤذيك، فلك إذايته قبل أن يؤذيك. وكره الشارع قتل بعض الحشرات كالضفدع، وكره قتل النمل والنحل، لما روى ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد..

واستثنى الفقهاء النمل في حالة الأذية، فإنه حينئذ يجوز قتله. وفصل المالكية، فأجازوا قتل النمل بشرطين: أن تؤذي، وأن لا يقدر على تركها، وكرهوه عند الإذاية مع القدرة على تركها، ومنعوه عند عدم الإذاية، ولا فرق عندهم في ذلك بين أن تكون الإذاية في البدن أو المال.

وقد ذهب الحنفية والمالكية إلى جواز قتل الحشرات، لكن المالكية شرطوا لجواز قتل الحشرات المؤذية أن يقصد القاتل بالقتل دفع الإيذاء لا العبث، وإلا منع حتى الفواسق الخمس التي يباح قتلها في الحل والحرم.

وقسم الشافعية الحشرات إلى ثلاثة أقسام: الأول: ما هو مؤذ منها طبعا، فيندب قتله كالفواسق الخمس... الثاني: ما ينفع ويضر، فلا يسن قتله، ولا يكره. الثالث: ما لا يظهر فيه نفع ولا ضرر كالخنافس، والجعلان، والسرطان، فيكره قتله.

ويحرم عندهم قتل النمل السليماني، والنحل والضفدع، أما غير السليماني، وهو الصغير المسمى بالذر، فيجوز قتله بغير الإحراق، وكذا بالإحراق إن تعين طريقا لدفعه.

وذهب الحنابلة إلى استحباب قتل كل ما كان طبعه الأذى من الحشرات، وإن لم يوجد منه أذى، قياسا على الفواسق الخمس، فيستحب عندهم قتل الحشرات المؤذية كالحية، والعقرب، والزنبور، والبق، والبعوض، والبراغيث، وأما ما لا يؤذي بطبعه كالديدان، فقيل: يجوز قتله، وقيل: يكره، وقيل: يحرم. وقد نصوا على كراهة قتل النمل إلا من أذية شديدة، فإنه يجوز قتلهن، وكذا القمل. انتهى.

فهذا حاصل ما للفقهاء في قتل الحشرات، فإن تبين لك من بعضها الأذى، لم يمتنع عليك قتله، وما كان غير مؤذ، ففيه الخلاف المتقدم، ويسعك تقليد من شئت من العلماء؛ كما ذكرنا، وأما ما نهي عن قتله، فلا يقتل إلا إذا تحققت أذيته؛ كما مر بك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة