السؤال
تم تسريب اختبار إحدى المواد من إحدى الطالبات، وسألتني المعلمة إن كنت أعرف أي معلومة عن الشخص الذي سرب. فهل يلزمني أن أقول اسم الطالبة؟ وما حكم لو أنكرت عدم علمي بمعرفتها؟
تم تسريب اختبار إحدى المواد من إحدى الطالبات، وسألتني المعلمة إن كنت أعرف أي معلومة عن الشخص الذي سرب. فهل يلزمني أن أقول اسم الطالبة؟ وما حكم لو أنكرت عدم علمي بمعرفتها؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فالواجب ابتداء نصح تلك الطالبة التي سربت أسئلة الاختبار، وتذكيرها بالله تعالى، وتحذيرها بالعقوبة الدنيوية أيضا بالإبلاغ عنها إن هي عادت إلى تسريبه مرة أخرى، فتسريب أسئلة الاختبارات ليس بالأمر الهين، وضرره كبير على المجتمع؛ إذ المراد من الاختبارات تقييم المستوى العلمي للطلاب، والذين هم حملة المسؤولية في المستقبل، فإذا كانوا غير مؤهلين لما سيتولونه من الأمور، عاد ذلك بالضرر على البلاد والعباد، ولك أن تتصوري الضرر الحاصل على المجتمع إن وجد فيه طبيب غير مؤهل، أو مهندس غير كفء، ونحو ذلك.
فالواجب نصحها، فإن علمت استجابتها للنصيحة وندمها، فينبغي سترها، وعدم ذكر اسمها؛ حتى لا يلحقها ضرر بسبب ذنب تابت منه، وستر المسلم غير المتمادي في الطغيان أمر مندوب شرعا، حتى لو كان ستره بالكذب، فقد ذكر الفقهاء أن الكذب لستر العاصي مما يرخص فيه، جاء في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب عند ذكر الأمور التي رخص في الكذب فيها: فهذا ما ورد فيه النص، ويقاس عليه ما في معناه؛ ككذبه لستر مال غيره عن ظالم، وإنكاره المعصية للستر عليه أو على غيره ما لم يجاهر الغير بها ... اهـــ
وأما إن رأيت منها عدم استجابة للنصيحة، وإعراضا عنها، وظننت أنها ربما تسرب الأسئلة مستقبلا، فلا نرى مانعا من إبلاغ الجهات المسؤولة عنها حتى تكف شرها، لأن سترها سيجرئها على تسريبه مرة ثانية وثالثة، ولا شك أن هذا فيه مفسدة كبيرة كما ذكرنا، فالستر عليها ستر في غير محله، والستر على المسلم إنما يكون مندوبا في حق من لم يعرف بالفساد والشر، ووقعت منه الهفوة ونحوها، ولم يترتب على ستره ضرر بالمجتمع. وأما من عرف بالشر والفساد، أو كان ذنبه يتعلق بالحق، والشأن العام للمسلمين، وستره فيه ضرر عليهم، فإنه لا يندب ستره، بل يرفع أمره إلى الجهات المسؤولة حتى يقطع شره، ومن ستره فقد جرأه وأمثاله على الشر والفساد وأذية العباد.
قال النووي في شرح مسلم: وأما الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفا بالأذى والفساد، فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر عليه، بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر، إن لم يخف من ذلك مفسدة؛ لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد، وانتهاك الحرمات، وجسارة غيره على مثل فعله ... اهـــ .
وقال الصنعاني في شرح حديث: ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. أخرجه مسلم : هو في حق من لا يعرف بالفساد والتمادي في الطغيان، وأما من عرف بذلك فإنه لا يستحب الستر عليه، بل يرفع أمره إلى من له الولاية إذا لم يخف من ذلك مفسدة، وذلك؛ لأن الستر عليه يغريه على الفساد، ويجرئه على أذية العباد، ويجرئ غيره من أهل الشر والعناد، وهذا بعد انقضاء فعل المعصية ... اهـــ.
والله تعالى أعلم.