الرد على شبهة تخصيص إرسال الرسل في بلاد العرب وما جاورها

0 129

السؤال

قد ذكر المفسرون أن الله تعالى حصر النبوة والكتاب في إبراهيم عليه السلام وذريته من بعده، فهل هذا يعني أن الوحي بعدها انحصر في الشرق الأوسط وجزيرة العرب وما نحوها، وانقطع في مناطق العالم الأخرى؟ أم أنه أو أبناءه صاهروا أجناسا أخرى في بقاع العالم؟
نرجو الإفادة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه ليس في نصوص الشرع -فيما نعلم- إثبات انحصار النبوة بعد إبراهيم عليه السلام في منطقة الشرق الأوسط، ولا النص على نفي ذلك.

وأما قولك: (أم أنه أو أبناءه صاهروا أجناسا أخرى في بقاع العالم) فلا ندري ما علاقة ذلك بقضية انحصار النبوة في منطقة الشرق الأوسط من عدمها ؟!

 وعلى كل حال: فإن القرآن العظيم لم يرد فيه إلا ذكر الأنبياء المبعوثين في أرض العرب وما جاورها، لكن ذلك لا يقتضي أن الأمم في غير تلك المناطق لم تبعث إليهم رسل، فإن من الأنبياء والرسل من لم يقصص الله عز وجل علينا خبرهم في القرآن الكريم، كما قال سبحانه: ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك {غافر:78}،

وأما وجه اقتصار القرآن العظيم على ذكر الأنبياء الذين كانوا في الأمم القاطنة في بلاد العرب وما جاورها: فإنما هو لأن القرآن قد خوطب به العرب ابتداء، قال ابن عاشور في تفسير قوله تعالى: وإن من أمة إلا خلا فيها نذير {فاطر:24}: ومعنى الأمة هنا: الجذم العظيم من أهل نسب ينتهي إلى جد واحد جامع لقبائل كثيرة لها مواطن متجاورة مثل أمة الفرس، وأمة الروم، وأمة الصين، وأمة الهند، وأمة اليونان، وأمة إسرائيل، وأمة العرب، وأمة البربر، فما من أمة من هؤلاء إلا وقد سبق فيها نذير، أي رسول أو نبيء ينذرهم بالمهلكات وعذاب الآخرة. فمن المنذرين من علمناهم، ومنهم من أنذروا وانقرضوا ولم يبق خبرهم، قال تعالى: ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك [غافر: 78] .
والحكمة في الإنذار أن لا يبقى الضلال رائجا، وأن يتخول الله عباده بالدعوة إلى الحق؛ سواء عملوا بها أو لم يعملوا، فإنها لا تخلو من أثر صالح فيهم.

وإنما لم يسم القرآن إلا الأنبياء والرسل الذين كانوا في الأمم السامية القاطنة في بلاد العرب وما جاورها لأن القرآن حين نزوله ابتدأ بخطاب العرب، ولهم علم بهؤلاء الأقوام، فقد علموا أخبارهم، وشهدوا آثارهم، فكان الاعتبار بهم أوقع، ولو ذكرت لهم رسل أمم لا يعرفونهم لكان إخبارهم عنهم مجرد حكاية، ولم يكن فيه استدلال واعتبار. اهـ.

ومما يزيد ذلك بيانا ما دلت عليه السنة النبوية من كثرة عدد الرسل والأنبياء، ففي مسند الإمام أحمد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه: أن أبا ذر رضي الله عنه قال: يا رسول الله؛ كم وفى عدة الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، الرسل من ذلك ثلاث مائة وخمسة عشر جما غفيرا. وصححه ابن حبان من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

ولبعض العلماء وجهة أخرى في الجواب عن شبهة انحصار النبوة في الشرق الأوسط، فقد سئل الدكتور سليمان الماجد: أعيش في دولة غربية ، ودائما أسأل من قبلهم سؤالا لا أعرف إجابته: لماذا الأنبياء كلهم بعثوا في الشرق الأوسط؟ هل هذا عدل؟! ما ذنبنا نحن إن لم تصلنا الرسالة؟ بصراحة لم ألق إجابة مناسبة؟ فأجاب:

الحجة الشرعية على جميع الخلق قد قامت بما أخذه الله تعالى من العهد على بني آدم، وهم في ظهره في قوله تعالى: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا... الآية . ووجه العلماء ذلك بالفطرة التي جعلها الله عز وجل في عقول الناس، فالحجة قائمة على الخليقة بهذه الفطرة، والتعرف على رسل الخالق عز وجل ليس عسيرا على الأمم، ولا على الأفراد في الجملة، وأغلب ما يقع من التفريط في ذلك هو بتقصيرهم أمما وأفرادا، وما شذ من هذه القاعدة ممن لم يمكنه التعرف على ذلك فهذا يعامل معاملة أهل الفترة فيختبر في الآخرة، والله لطيف بعباده.
ولا نعلم سببا معينا في كون هذه المنطقة مهدا للنبوات، وإن كان كثير من الباحثين في مجال تاريخ الأديان يرون أن أصل كثير من الديانات الوثنية الحالية كالبوذية والهندوسية والزرادشتية والمجوسية ونحوها كانت ديانات سماوية وتحولت إلى الوثنية بالبدع والغلو في الأشخاص. وقبل ذلك وبعده فإن لله تعالى الحكمة البالغة، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها. اهـ.

فالخلاصة: أن الطعن في النبوات بالزعم بأن النبوة خاصة بالشرق الأوسط، ولم تشمل جميع أمم الأرض شبهة داحضة، يروجها الملاحدة وأضرابهم، وقد سبق أن كشفنا هذه الشبهة مرارا في فتاوى عديدة، فراجع الفتاوى: 287434 ، 148409 ،112213 ، 76177 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات