الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيان أن البشارة بالنبي في التوراة والإنجيل لم تطلها يد التحريف

السؤال

كيف كان يعلم اليهود بقدوم محمد عليه الصلاة والسلام، ودينهم محرف، ومنسوخ بالنصرانية، بل إنه عند قراءتي للسيرة النبوية أجد ذكر اليهود، وأنهم يعلمون بنبوة الرسول دائما، وأكثر من ذكر النصارى؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم قد ذكرت نبوته في التوراة، والإنجيل، كما قال الله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ {الأعراف:157}. واليهود والنصارى يعلمون نبوته صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {البقرة:146}.

ولا تنافي بين علم أهل الكتاب بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وبين نسخ أديانهم وتحريفها، فدخول التحريف على دين اليهود والنصارى لا يعني أن كل ما في كتبهم قد طالته يد التحريف والتبديل، بل هناك أشياء باقية لم تحرف.

قال شيخ الاسلام ابن تيمية: ثم العلم بأن الأنبياء قبله بشروا به يعلم من وجوه:

أحدها: ما في الكتب الموجودة اليوم بأيدي أهل الكتاب من ذكره. وقد استخرج غير واحد من العلماء من الكتب الموجودة الآن في أيدي أهل الكتاب من البشارات بنبوته مواضع متعددة، وصنفوا في ذلك مصنفات.

الثاني: إخبار من وقف على تلك الكتب وغيرها من كتب أهل الكتاب - ممن أسلم ومن لم يسلم - بما وجدوه من ذكره فيها. وهذا مثل ما تواتر عن الأنصار أن جيرانهم من أهل الكتاب كانوا يخبرون بمبعثه، وأنه رسول الله، وأنه موجود عندهم، وكان هذا من أعظم ما دعا الأنصار إلى الإيمان به لما دعاهم إلى الإسلام، حتى آمن الأنصار به وبايعوه من غير رهبة ولا رغبة. ولهذا قيل: إن المدينة فتحت بالقرآن، لم تفتح بالسيف كما فتح غيرها. ومثل ما تواتر عن إخبار النصارى بوجوده في كتبهم مثل إخبار هرقل ملك الروم، والمقوقس ملك مصر، صاحب الإسكندرية، والنجاشي ملك الحبشة، والذين جاءوه بمكة، وقد ذكر الله ذلك في القرآن في قوله عن اليهود:{وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} [البقرة: 89] . وقال عن النصارى:{وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين} [المائدة: 83] . وقوله:{الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا} [القصص: 52-53] .

وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل مبعثه، فلما بعثه الله من العرب كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه. فقال معاذ بن جبل، وبشر بن البراء بن معرور، وداود بن سلمة: يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ونحن أهل شرك، وتخبرونا بأنه مبعوث وتصفونه بصفته. فقال سلام بن مشكم، أخو بني النضير: ما جاءنا شيء نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكر لكم. فأنزل الله - تعالى -: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين} [البقرة: 89] . اهـ بتصرف.

وأما سبب كثرة ذكر اليهود في السيرة، وتذكيرهم بعلمهم بنبوةمحمد صلى الله عليه وسلم أكثر من تذكير النصارى بذلك، فلعله لأن المدينة كان بها أمم من اليهود، بخلاف النصارى فلم يكن لهم وجود في المدينة كاليهود.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني