السؤال
جزاكم الله كل خير على هذا الموقع الرائع، الذي أعتبره المرجع الأول لجميع أمور حياتي.
قد قرأت كل الفتاوي حول موضوعي، ولكن تحديد الاضطرار لحالتي تخيفني من الوقوع في الحرام البائن.
أنا قمت ببناء بيتي، وفتح مشروع عمل لي، وشراء سيارة خاصة للعمل، وقمت بكتابة شيكات شهرية بالأقساط، وكانت مبالغ الشيكات كبيرة، على أمل أن يرزقني الله لتغطية هذه الشيكات، ولكن -والحمد لله- لم يصل دخلي الشهري من هذا العمل، ولا من عملي الإضافي لسداد شيكاتي، فكان مصيرها أن يرجعها البنك لعدم كفاية الرصيد؛ حتى تراكمت علي بشكل كبير، وأصبح أصحابها يطالبونني، وقام بعضهم بتحويلها للمحكمة، وقد يصل الأمر للحبس، ولا أحد يصبر علي حتى أسدد له؛ لأن مشروعي بدأ بالتحسن -والحمد لله-، وإذا بعت سيارتي فسوف أخسر ثلث ثمنها على الأقل، وسيتوقف مشروعي عن العمل، فلجأت للبنك الوحيد الإسلامي بدولتنا، ووضع شروطا معقدة لا أستطيعها نهائيا، وذهبت لمؤسسات الإقراض، وجميعها فشلت؛ لأنهم لا يعطون قروضا بالمرابحة الإسلامية، فهل هذا يعتبر اضطرارا لأخذ قرض ربوي؟ وسأعمل جاهدا على سداده بفترة وجيزة، والي أريده هو الخروج من ضرر نفسي، وبيتي، ومالي، ومشروعي، وفوق هذا سمعتي من الدمار.
ووالله ما تركت طريقة إلا وذهبت لها لأبعد عن هذا الأمر، فما وجدت. شكرا لكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يجب على السائل بيع شيء من ماله لقضاء دينه؛ إلا إن وجد فيه ثمن مثله؛ ولذلك نص أهل العلم على أن الحاكم لا يجبر المفلس على بيع ماله بأقل من ثمن مثله، قال النووي في فتاويه: إذا ثبت على إنسان دين حال، وله مال من عقار، أو غيره، فأمره الحاكم ببيعه، فلم يجد راغبا يشتريه بثمن مثله في ذلك الوقت، لم يجبر على بيعه بدون ثمن مثله، بلا خلاف؛ بل يصبر حتى يوجد من يشتريه بثمن مثله. اهـ. وقال البهوتي في شرح منتهى الإرادات: ولا يجوز بيعه بدون ثمن مثله؛ لأنه محجور عليه في ماله، فلا يتصرف له فيه إلا بما فيه حظ. اهـ.
وعلى ذلك؛ فما عند السائل من عقار، أو سيارة، ونحو ذلك، إن وجد فيه ثمن المثل، لزمه بيعه؛ لقضاء ديونه الحالة. وهل يستثنى من ذلك آلة صنعته، إن كان صانعا، ورأس ماله الذي يلزم للتجارة، إن كان تاجرا، ولا يحسن الكسب إلا بذلك، فهذا محل خلاف وتفصيل بين أهل العلم، جاء في الموسوعة الفقهية:
يترك للمفلس من ماله ما يأتي: ...
د - آلات الصانع: قال الحنابلة، وبعض المالكية: تترك للمفلس آلة صنعته، ثم قال المالكية من هؤلاء: إنما تترك إن كانت قليلة القيمة، كمطرقة الحداد. وقال بعضهم: تباع أيضا. ونص الشافعية أنها تباع.
هـ - رأس مال التجارة: قال الحنابلة، وابن سريج من الشافعية: يترك للمفلس رأس مال يتجر فيه، إذا لم يحسن الكسب إلا به. قال الرملي: وأظنه يريد الشيء اليسير، أما الكثير، فلا. ولم نر نصا في ذلك للحنفية، والمالكية. اهـ.
وقد نص بعض أهل العلم على أن دار سكناه تباع، وإن كان محتاجا إليها، ويكترى له بدلها، وهذا مذهب مالك، والشافعي. ومع ذلك، فلم نر أحدا من الفقهاء ذكر، أو رخص للمفلس في الاقتراض بالربا لقضاء دينه.
ثم إنه لا يخفى أن الاقتراض بالربا يزيد الأمر سوءا، وغالبا ما تشتد معه مشكلة الدين وتتعقد، فالمتوجه إليه كالمستجير من الرمضاء بالنار، وراجع للفائدة الفتاوى التالية: 236248، 127576، 154119، 322741.
والخلاصة: أن السائل إن وجد في مقتنياته قيمة المثل، فليبعها لقضاء دينه.
وإن لم يستطع بيعها إلا بغبن فاحش، ولم يصبر عليه غرماؤه، وتعرض للسجن، ونحوه من أنواع العقوبة، فهل يبيح له ذلك الاقتراض بالربا؟ فهذا محل نظر، ولم نجد فيه نصا لأهل العلم.
والذي نميل إليه: أن يبتعد عن القرض الربوي، ولا يترخص فيه، إلا إن تضرر بالغبن تضررا كبيرا، وكان يجد لقرضه قضاء بحيث يغلب على ظنه أنه لن يتعسر فيه، فيزيد إشكاله.
والله أعلم.