السؤال
قمت بأداء الحج عدة مرات، وكنت أتعجل في المبيت بمنى، فقد كنت أرمي الجمرات في يوم النفر الأول، وأنوي النفر من منى قبل الوصول إلى جمرة العقبة الكبرى، ثم أرمي الجمرة الكبرى، ولا أعود إلى منى، فهل ما كنت أفعله صحيحا؟ فقد قرأت في بعض كتب الشافعية أن نية النفر من منى يجب أن تكون بعد الانتهاء من رمي الجمرات، وهل كان يجب علي أن أعود إلى منى بعد الرمي، ثم أنوي النفر.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا شيء عليك -والحال ما ذكرت-، ولم يكن يلزمك العود إلى منى.
وأما فقهاء الشافعية الذين اشترطوا النية للنفر، فقد نصوا على أنها تكون مقارنة للارتحال - لا أن تكون بعد الانتهاء من رمي الجمرات - وهذا حاصل في حق كل أحد، وكذا تجزئ النية عند الأخذ في الارتحال، وذلك قبل إتيان جمرة العقبة، وهذا هو ما فعلته.
ومن ثم؛ فلا إشكال في مسألتك بحال، ولا يلزمك شيء.
وهاك ما قرره فقهاء الشافعية بهذا الصدد، جاء في حواشي التحفة ما عبارته: قضية قول التحفة لا بد من نية النفر مقارنة له مع قوله السابق، فيشمل من أخذ في شغل الارتحال أن مقارنة النية لشغل الارتحال كافية، وإن نسيها بعد تمامه وقبل وصوله إلى الجمرة، ولا ينافيه قوله: هذه الجمرة ليس من منى هي ولا عقبتها. اهـ؛ لأن المعتبر في العبادة إنما هو مقارنة النية بأولها، لا استمرارها إلى آخرها.
وقال فيها أيضا: والمقارنة للنفر قال بها التحفة -يعني ابن حجر المكي-، ولم يتعرض النهاية -يعني الرملي- أي: والمغني -أي الخطيب الشربيني- وشيخ الإسلام -أي زكريا الأنصاري- للنية، وهذا لا يقتضي مخالفتهم.. ولك أن تقول: إنما سكتوا عن النية؛ لعدم الحاجة إلى ذكرها؛ لعدم انفكاك الارتحال الاختياري عن نية النفر، وإن لم يستحضر المرتحل وجودها في قلبه؛ إذ اشتغال العاقل المختار بالشد بدون تصور المشدود إليه، وتوجهه إلى طريق مكة بدون ملاحظة وقصد وصول مكة، محال عادة. انتهى، فظهر بذلك ما قررناه، وأن لا شيء عليك.
والله أعلم.