الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من تأخّر عن الوصول لمنى بسبب الزحام الشديد إلى بعد منتصف الليل

السؤال

رزقنا الله الحجَّ منذ أربع سنوات، وكان هناك اختلاف حول مسألة رمي الجمرات، ولا أعلم إن كان ما فعلته صحيحًا أم لا، فقد ذهبت لرمي الجمرة الكبرى صباح يوم العيد، وتعبت جدًّا في ذلك اليوم، ورجعت للمخيم في منى، واسترحت حتى قبل أذان المغرب بساعة، وبعدها توجّهت إلى الفندق بمكة، وتحلّلت التحلّل الأصغر، ولم يبقَ لي وقت لطواف الإفاضة؛ لأني عرفت أنه يلزمني أن أقضي أكثر من منتصف الليل في منى، فذهبت لمنى، وبسبب الزحام الشديد وصلت متأخرًا عن منتصف الليل بنصف ساعة تقريبًا، مع العلم أني وصلت إلى حدود منى وأنا داخل السيارة قبل منتصف الليل، لكن السائق لجأ لتغيير الطريق، وخرج من الحدود حتى أوصلنا إلى أقرب نقطة للجمرات.
بعدها بتنا بمنى، وكان الرمي أول أيام التشريق بعد صلاة الفجر مباشرة، ورجعت مكة بعدها، وفي نفس اليوم أنهيت طواف الإفاضة، والسعي.
وعند سؤالي في أماكن الإفتاء في الحرم أشار عليّ بإعادة رمية التشريق الأولى؛ لأنها لا تجوز قبل صلاة الظهر، فذهبت بعدها لمنى، وحدث تأخير كاليوم الأول بسبب الزحام، وأعدت رمية التشريق الأولى قبل الفجر، وبتّ في منى حتى صلاة ظهر ثاني أيام التشريق، وإتمام الرمية بعد الظهر، والتعجّل، والذهاب إلى مكة، فهل ما فعلته صحيح؟ وهل عليَّ شيء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فجوابنا يتلخص فيما يلي:

أولًا: بالنسبة للمبيت بمنى وتأخّرك بسبب الزحام، فإن الواجب في المبيت بمنى يتحقّق بالبقاء داخل حدودها أكثر من نصف الليل، ولو بجزء يسير، ويعرف ذلك بحساب ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر.

ثانيًا: انظر في الساعات التي جلستها داخل حدود منى هل تتجاوز أكثر الليل -ولو بزمن يسير- أم لا، فإن ظهر أنك جلست في منى أكثر الليل، فقد أدّيت الذي عليك، وإن ظهر أنك لم تجلس داخل حدودها أكثر الليل، فقد فاتك المبيت الواجب.

ثالثًا: المفتى به عندنا فيمن فاته المبيت لأجل الزحام أنه لا شيء عليه للعذر، وقد نصّ فقهاء الحنابلة على جملة من الأعذار التي تسقط بها الفدية فيمن ترك المبيت لأجلها، منها: الخوف عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، أَوْ ضَيَاعِ مَرِيضٍ بِلاَ مُتَعَهِّدٍ، أَوْ مَوْتِ نَحْوِ قَرِيبٍ فِي غَيْبَتِهِ. وقاسوا هؤلاء على أهل السقاية المرخّص لهم في المبيت خارج منى، ولم يذكروا في كتبهم ــ فيما وقفنا عليه ــ عذر الزحام؛ لأنه لم يكن موجودًا في زمانهم على الصفة التي في زماننا، ولا شك أن اعتبار هذا من الأعذار أولى؛ لأنه خارج قدرة الإنسان، فمن حرص على المبيت وحبسه الزحام، فعذره مثل عذر مَن خاف على ماله، أو تخلّف لأجل تمريض قريب.

رابعًا: ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا شيء في ترك المبيت، وهذه رواية عن أحمد، قال ابن قدامة في المغني: فَصْلٌ: فَإِنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى، فَعَنْ أَحْمَدَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَسَاءَ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ فِيهِ بِشَيْءِ. وَعَنْهُ: يُطْعِمُ شَيْئًا، وَخَفَّفَهُ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ عَلَيْهِ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: عَلَيْهِ دَمٌ، وَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: دَمٌ بِمَرَّةٍ، ثُمَّ شَدَّدَ بِمَرَّةٍ. قُلْت: لَيْسَ إلَّا أَنْ يُطْعِمَ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، يُطْعِمُ شَيْئًا: تَمْرًا، أَوْ نَحْوَهُ. فَعَلَى هَذَا أَيُّ شَيْءٍ تَصَدَّقَ بِهِ، أَجْزَأَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَأَكْثَرِ; وَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ، وَعَنْهُ: فِي اللَّيَالِي الثَّلَاثِ دَمٌ. اهــ.

خامسًا: رميك للجمرة أول أيام التشريق بعد الفجر، لا يصحّ عند جمهور العلماء، ولكن ما دمت قد أعدت رميها ليلًا قبل الفجر من اليوم الثاني ــ كما فهمنا من السؤال ــ، فقد برئت ذمّتك، وقد بينا في الفتوى: 7364 أن وقت الرمي يمتدّ إلى ما قبل طلوع الفجر من اليوم التالي؛ لأنه عليه الصلاة والسلام نفى الحرج عمّن رمى بعدما أمسى، ولأنه حدّد البدء، وسكت عن المنتهى، ولحديث الإذن للرعاة بالرمي ليلًا.

سادسًا: لا حرج عليك في تأخير طواف الإفاضة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني