نظرات في كتاب: "فرعون موسى بين الحقيقة والخرافة"

0 141

السؤال

عندما أمر الله تعالى أم موسى -عليه السلام- أن تضعه في اليم، فيلقه في الساحل، هل كان يقصد نهرا أم بحرا؟ لأني قرأت أنه لغويا يقصد بها البحر، كما أن السواحل تابعة للبحار، وليس للأنهار، وقد عثرت على كتاب اسمه: "فرعون موسى بين الحقيقة والخرافة" توصل فيه أن الكليم، والصديق -عليهما السلام- عاشوا ما قبل الحضارة المصرية المعروفة، ولم يسجل التاريخ عنهم شيئا، وكانت مصر وقتها في سيناء على البحر الأحمر، وليس على نهر النيل، ولم تكن صحراء قاحلة، وجمع بين التاريخ الديني والتاريخ الأثري، واستدل بأن الأعمار والأحجام كانت أعظم وقتها، كما ذكر في العهد القديم، وأقوال المؤرخين المسلمين قديما مما هو معهود في حضارة وادي النيل، ولا يوجد ملك من ملوكها يقارب هذه الأحجام، أو الأعمار، والرابط: https://vdocuments.site/-5572034a497959fc0b8b4785.html فهل كلامه وجيه بخصوص منطقة مصر، ومعنى اليم، أم يخالف أقوال المفسرين قديما؟ وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذا لا يخالف أقوال المفسرين قديما فقط!! بل يخالف أقوال المفسرين قديما وحديثا، وأقوال المؤرخين سلفا وخلفا، وأقوال أهل الكتاب، بل يخالف التوراة التي فيها سفر كامل يحكي قصة موسى منذ ولادته، وحتى خروجه ببني إسرائيل من أرض مصر، وهو سفر الخروج.

فصاحب هذا الكتاب أتى بما لم تأت به الأوائل!! وهذا وحده كاف للإضراب صفحا عما كتب، والإعراض بالكلية عما وصل إليه.

وحسبنا في ذلك ما جاء في كتاب الله حيث قال: ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي [الزخرف:51]، فقد نص المفسرون على أن المراد بهذه الأنهار فروع نهر النيل، فأين هذا من شبه جزيرة سيناء؟!

وقد أخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر، ونقله عنه السيوطي في حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، من طريق عبد الرحمن شماسة النهدي، عن أبي رهم السماعي الصحابي -رضي الله عنه- قال: كانت لمصر قناطر، وجسور بتقدير، وتدبير، حتى إن الماء ليجري تحت منازلها، وأقنيتها، فيحبسونه كيف شاءوا، ويرسلونه كيف شاءوا؛ فذلك قوله تعالى فيما حكى من قول فرعون: {أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون}، ولم يكن في الأرض يومئذ ملك أعظم من ملك مصر. وكانت الجنات بحافتي النيل من أوله إلى آخره من الجانبين جميعا، ما بين أسوان إلى رشيد، وسبعة خلج: خليج الإسكندرية، وخليج سخا، وخليج دمياط، وخليج منف، وخليج الفيوم، وخليج المنهى، وخليج سردوي؛ جنات متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء، والزرع ما بين الجبلين، من أول مصر إلى آخرها مما يبلغه الماء، وكان جميع مصر كلها تروى من ستة عشر ذراعا؛ لما قدروا ودبروا من قناطرها، وخلجها، وجسورها؛ فذلك قوله تعالى: {كم تركوا من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم}. اهـ. فأين هذا من شبه جزيرة سيناء؟!

وأما تفريق مؤلف الكتاب المذكور بين اليم والبحر في قصة موسى، فيكفي في إبطاله أن القرآن استعمل كلا اللفظين في موضع واحد، وهو إغراق فرعون، فأغرقهم في اليم، كما في قوله تعالى: فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم [القصص:40] [الذاريات:40]، وقوله تعالى: فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم [الأعراف:136].

وأغرقهم أيضا في البحر، كما في قوله تعالى: وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون [البقرة:50]، وقوله سبحانه: فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق [الشعراء: 63]، وقوله عز وجل: واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون [الدخان:24].

بل قد جاء اللفظان في سياق واحد، كما في قوله تعالى: ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى* فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم [طه: 77، 78]، فذكر في الأولى البحر وفي الثانية اليم!! ثم يأتي مؤلف الكتاب المذكور ويفرق بينهما بكلام من عند نفسه، لا أصل له في اللغة، كما تحكم في لفظ: (الساحل)، فجعله تابعا للبحار، وليس للأنهار! ولم يقل بذلك أحد من أهل اللغة! بل جاء خلافه، كما قال ابن أبي اليمان البندنيجي -وهو من المتقدمين، فقد ولد على رأس المائتين- في كتاب: (التقفية في اللغة): الجدة: ساحل النهر. اهـ. فجعل للنهر ساحلا.

وجاء في المعجم الوسيط: (الساحل) المنطقة من اليابس، التي تجاور بحرا، أو مسطحا مائيا كبيرا، وتتأثر بأمواجه. اهـ.

وجاء في معجم اللغة العربية المعاصرة: كل منطقة من اليابس تجاور بحرا، أو نهرا، أو مسطحا مائيا كبيرا، وتتأثر بأمواجه. اهـ. 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات