السؤال
جاء في حديث خروج الذنوب حين الوضوء -شك من الرواي- بأن الذنوب تخرج مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فأريد أن أسأل: ما معنى خروجها مع الماء؟ وما معنى خروجها مع آخر قطر الماء؟
جاء في حديث خروج الذنوب حين الوضوء -شك من الرواي- بأن الذنوب تخرج مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فأريد أن أسأل: ما معنى خروجها مع الماء؟ وما معنى خروجها مع آخر قطر الماء؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه، ثابت، أخرجه مسلم في الصحيح، ولفظه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن، فغسل وجهه؛ خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه؛ خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه؛ خرج كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيا من الذنوب. ثم إن "أو" في هذا الحديث قيل: إنها للشك من الراوي، وقيل: بل هي لأحد الأمرين.
والمعنى قريب: فإن خروج الخطايا مع الماء، معناه: خروجها مع انفصال الماء عن العضو.
وآخر قطر الماء معناه: إجراء الماء وإنزال قطره، قال القاري في المرقاة: (مع الماء): أي: مع انفصاله.. أو مع آخر قطر الماء) قيل: أو لشك الراوي، وقيل لأحد الأمرين، والقطر إجراء الماء، وإنزال قطره. انتهى.
ورجح المباركفوري في شرح الترمذي أن "أو" للشك، ثم أطال في بيان معنى خروج الخطايا مع الماء، فقال ما عبارته: قلت: أو ها هنا للشك، لا لأحد الأمرين. يدل عليه قوله: أو نحو هذا. قال القاضي: المراد بخروجها مع الماء: المجاز والاستعارة في غفرانها؛ لأنها ليست بأجسام فتخرج حقيقة.
وقال ابن العربي في عارضة الأحوذي: قوله: خرجت الخطايا. يعني غفرت؛ لأن الخطايا هي أفعال، وأعراض لا تبقى، فكيف توصف بدخول أو بخروج، ولكن البارئ لما أوقف المغفرة على الطهارة الكاملة في العضو، ضرب لذلك مثلا بالخروج. انتهى.
قال السيوطي في قوت المغتذي، بعد نقل كلام بن العربي هذا، ما لفظه: بل الظاهر حمله على الحقيقة؛ وذلك أن الخطايا تورث في الباطن والظاهر سوادا، يطلع عليه أرباب الأحوال والمكاشفات، والطهارة تزيله، وشاهد ذلك ما أخرجه المصنف، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد إذا أذنب ذنبا، نكتت في قلبه نكتة، فإن تاب ونزع واستغفر، صقل قلبه، وإن عاد، زادت حتى تعلو قلبه، وذلك الران الذي ذكره الله في القرآن: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. وأخرج أحمد، وابن خزيمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحجر الأسود ياقوتة بيضاء من الجنة، وكان أشد بياضا من الثلج، وإنما خطايا المشركين.
قال السيوطي: فإذا أثرت الخطايا في الحجر، ففي جسد فاعلها أولى. فإما أن يقدر خرج من وجهه أثر خطيئته، أو السواد الذي أحدثته. وإما أن يقال: إن الخطيئة نفسها تتعلق بالبدن على أنها جسم، لا عرض؛ بناء على إثبات عالم المثال، وأن كل ما هو في هذا العالم عرض له صورة في عالم المثال؛ ولهذا صح عرض الأعراض على آدم -عليه السلام-، ثم الملائكة، وقيل لهم: أنبئوني بأسماء هؤلاء. وإلا فكيف يتصور عرض الأعراض لو لم يكن لها صورة تشخص بها، قال: وقد حققت ذلك في تأليف مستقل، وأشرت إليه في حاشيتي التي علقتها على تفسير البيضاوي. ومن شواهده في الخطايا: ما أخرجه البيهقي في سننه عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن العبد إذا قام يصلي، أتي بذنوبه، فجعلت على رأسه وعاتقه، فكلما ركع وسجد تساقطت عنه. وأخرج البزار، والطبراني عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم يصلي وخطاياه مرفوعة على رأسه، كلما سجد تحاتت عنه. انتهى كلام السيوطي.
قلت: لا شك في أن الظاهر هو حمله على الحقيقة. وأما إثبات عالم المثال، فعندي فيه نظر، فتفكر. انتهى.
والله أعلم.