السؤال
حديث كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل، هل هو صحيح؟ ولمن قال الرسول ذلك وفى أي حادثة؟ وما معنى الحديث ؟ وما الذي يستفاد منه؟ وهل يمكن إطلاق حكمه فى كل الأوقات؟
حديث كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل، هل هو صحيح؟ ولمن قال الرسول ذلك وفى أي حادثة؟ وما معنى الحديث ؟ وما الذي يستفاد منه؟ وهل يمكن إطلاق حكمه فى كل الأوقات؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالحديث رواه أحمد وغيره، ولفظ أحمد عن عبد الله بن خباب عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر فتنة: القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، قال: فإن أدركت ذاك فكن عبد الله المقتول. قال أيوب: ولا أعلمه إلا قال: ولا تكن عبد الله القاتل. ، قال الشيخ الأرناؤوط: رجاله ثقات رجال الشيخين، وصححه ابن حجر في الفتح. وهذا الحديث دار في ترك القتال عند وقوع الفتن بين الأمة، قال الشوكاني في نيل الأوطار في شرح هذا الحديث: معناه بيان عظم خطر الفتنة، والحث على تجنبها والهرب منها ومن التسبب في شيء من أسبابها، فإن شرها وفتنتها يكون على حسب التعلق بها. انتهى. وقد اختلف العلماء في موقف المسلم عند الفتن، والجمهور على أن الوقوف في جانب الحق واجب، لعموم الأدلة على وجوب نصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم، والكف عن القتال يكون في حالة اشتباه الأمر على المسلم، بحيث لا يستطيع تمييز الحق من الباطل، وقد بين الشوكاني رحمه الله ذلك بيانا وافيا في نيل الأوطار نذكره لك ففيه تفصيل مفيد، قال رحمه الله: والأحاديث المذكورة في الباب تدل على مشروعية ترك المقاتلة وعدم وجوب المدافعة عن النفس والمال، وقد اختلف العلماء في ذلك فقالت طائفة: لا يقاتل في فتن المسلمين، وإن دخلوا عليه بيته وطلبوا قتله، ولا تجوز له المدافعة عن نفسه، لأن الطالب متأول، وهذا مذهب أبي بكرة الصحابي وغيره، وقال ابن عمرو وعمران بن الحصين وغيرهما: لا يدخل فيها لكن إن قصد دفع نفسه، قال النووي: فهذان المذهبان متفقان على ترك الدخول في جميع فتن المسلمين، قال القرطبي: اختلف السلف في ذلك فذهب سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وغيرهم إلى أنه يجب الكف عن المقاتلة، فمنهم من قال: يجب عليه أن يلزم بيته، وقالت طائفة: يجب عليه التحول عن بلد الفتنة أصلا، ومنهم من قال: يترك المقاتلة، حتى لو أراد قتله لم يدفعه عن نفسه، ومنهم من قال: يدافع عن نفسه وعن ماله وعن أهله، وهو معذور إن قتل أو قتل. وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق وقتال الباغين، وكذا قال النووي وزاد: أنه مذهب عامة علماء الإسلام، واستدلوا بقوله تعالى: فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله [الحجرات:9]. قال النووي: وهذا هو الصحيح، وتتأول الأحاديث على من لم يظهر له المحق، أو على طائفتين ظالمتين لا تأويل لواحدة منهما، قال: ولو كان كما قال الأولون لظهر الفساد واستطال أهل البغي والمبطلون. انتهى. وقال بعضهم بالتفصيل، وهو أنه إذا كان القتال بين طائفتين لا إمام لهم فالقتال ممنوع يومئذ، وتنزل الأحاديث على هذا، وهو قول الأوزاعي كما تقدم، وقال الطبري: إنكار المنكر واجب على من يقدر عليه، فمن أعان المحق أصاب، ومن أعان المخطئ أخطأ، وإن أشكل فهي الحالة التي ورد النهي عن القتال فيها، وذهب البعض إلى أن الأحاديث وردت في حق ناس مخصوصين، وأن النهي مخصوص بمن خوطب بذلك، وقيل: إن النهي إنما هو في آخر الزمان، حيث يحصل التحقق أن المقاتلة إنما هي في طلب الملك، وقد أتى هذا في حديث ابن مسعود، فأخرج أبو داود عنه أنه قال له وابصة بن معبد: ومتى ذلك ياابن مسعود ؟ فقال: تلك أيام الهرج، وهو حيث لا يأمن الرجل جليسه. ، ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور قوله الله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم [البقرة:194]، وقوله: وجزاء سيئة سيئة مثلها [الشورى:40]. ونحو ذلك من الآيات والأحاديث، ويؤيده أيضا الآيات والأحاديث الواردة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسيأتي للمقام زيادة تحقيق في باب ما جاء في توبة القاتل من كتاب القصاص، وحديث سهل بن حنيف، وما ورد في معناه، يدل على أنه يجب نصر المظلوم، ودفع من أراد إذلاله بوجه من الوجوه، وهذا مما لا أعلم فيه خلافا، وهو مندرج تحت أدلة النهي عن المنكر. انتهى. ولا شك أن هذا الحديث يمكن تطبيقه في الفتن التي ترد على الأمة في كل زمان، دون تفريق بين زمان وزمان. والله أعلم.